بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 أكتوبر 2011

الزواج في المسيحية

هذا المقال هو أحد مجموعة من المقالات عن بعض المفاهيم في المسيحية. ستجد في هذا الرابط قائمة بالمقالات المتاحة.

هذا المقال بكل تأكيد يتعلق بعقيدة مسيحية، و هذا معناه أنه ليس نقاشاً فلسفياً و لا هجوماً على أحد و لا دفاعاً عن أحد، و لكنه شرح للعقيدة المسيحية (و خاصة الأرثوذكسية) في الزواج. و من هذا المنطلق فإن الشواهد المذكورة في المقال كلها كتابية (من الكتاب المقدس) و ليست فلسفية، و هي تعكس ما يؤمن به المسيحيون، فإن كانت لك فلسفة أخرى في الزواج فلا بأس بذلك و أنت حر فيما تؤمن به، و لكن يجب التوضيح أن هذه هي عقيدة الكنيسة لمن أراد أن ينتمي للكنيسة.

الزواج في المسيحية يكون من إمرأة واحدة فقط.

الزواج في العهد القديم:

يقول الكتاب المقدس عن خلق آدم و حواء أن الله خلق ذكراً و أنثى و لم يخلق ذكراً و إناث، مع أنه كان بكل تأكيد قادراً على ذلك.

{فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.} تك ١ : ٢٧

و بالرغم من أن الله قال لهم أن يثمروا و يكثروا و يملأوا الأرض، و لو كان الله يرضى بأن تكون لآدم أكثر من إمرأة لكان خلق له أكثر من واحدة، و المعروف أن عدد الإناث هو المحدد الأساسي للتكاثر.

{وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ».} تك ١ : ٢٨

و يقول الكتاب أيضاً أن الله رأى أن كل ما عمله هو حسن، و يعني ذلك أنه حسن في عيني الرب خلق رجل واحد و إمرأة واحدة:

{وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا.} تك ١ : ٣١

و عندما إختار الله نوحاً و بنيه ليدخلوا إلى الفلك و ينجوا من الطوفان، كان لكل منهم إمرأة واحدة، و كذلك أمر الله نوحاً أن يأخذ من كل المخلوقات أزواجاً (عدد الذكور بقدر عدد النساء) و لو كان الله يريد إعمار الأرض بسرعة بعد الطوفان لكان من الأولى أن يأمر نوحاً أن يأخذ من الإناث عدداً أكبر من الذكور.

{مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ تَأْخُذُ مَعَكَ سَبْعَةً سَبْعَةً ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَمِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ اثْنَيْنِ: ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَمِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ أَيْضًا سَبْعَةً سَبْعَةً: ذَكَرًا وَأُنْثَى. لاسْتِبْقَاءِ نَسْل عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ........دَخَلَ اثْنَانِ اثْنَانِ إِلَى نُوحٍ إِلَى الْفُلْكِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى، كَمَا أَمَرَ اللهُ نُوحًا........فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَيْنِهِ دَخَلَ نُوحٌ، وَسَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ بَنُو نُوحٍ، وَامْرَأَةُ نُوحٍ، وَثَلاَثُ نِسَاءِ بَنِيهِ مَعَهُمْ إِلَى الْفُلْكِ......وَدَخَلَتْ إِلَى نُوحٍ إِلَى الْفُلْكِ، اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ. وَالدَّاخِلاَتُ دَخَلَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَأَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ.} تك ٧ : ٢ - ٣ و ٩ و ١٣ و ١٥ - ١٦

و نرى في العهد القديم أن الآباء اتخذوا لأنفسهم أكثر من زوجة، فنرى أن إبراهيم إتخذ سارة (زوجته الأولى) ثم هاجر (بناء على إلحاح سارة عليه لإقامة النسل):

{وَاتَّخَذَ أَبْرَامُ وَنَاحُورُ لأَنْفُسِهِمَا امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ امْرَأَةِ أَبْرَامَ سَارَايُ، وَاسْمُ امْرَأَةِ نَاحُورَ مِلْكَةُ بِنْتُ هَارَانَ، أَبِي مِلْكَةَ وَأَبِي يِسْكَةَ........فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ أَمْسَكَنِي عَنِ الْوِلاَدَةِ. ادْخُلْ عَلَى جَارِيَتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ». فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِقَوْلِ سَارَايَ.} تك ١١ : ٢٩ و ١٦ : ٢

غير أن الله لم يقم عهده مع إبن هاجر، بل أقامه مع إبن الزوجة الأولى:

{فَقَالَ اللهُ: «بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الآتِيَةِ».......فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ».} تك ١٧ : ١٩ - ٢١ و ٢١ : ١٢ - ١٣

و نرى أيضاً أن يعقوب إتخاذ زوجتين (ليئة و راحيل) و بالرغم من أنه خدع في زواجه من ليئة إلا أنها كانت الزوجة الأولى، و أنجبت له يهوذا، السبط الذي خرج منه ملوك اليهود و يسوع المسيح:

{وَحَبِلَتْ أَيْضًا وَوَلَدَتِ ابْنًا وَقَالَتْ: «هذِهِ الْمَرَّةَ أَحْمَدُ الرَّبَّ». لِذلِكَ دَعَتِ اسْمَهُ «يَهُوذَا». ثُمَّ تَوَقَّفَتْ عَنِ الْوِلاَدَةِ.} تك ٢٩ : ٣٥

{كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ: إِبْراهِيمُ وَلَدَ إِسْحاقَ. وَإِسْحاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ...........وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ.} مت ١ : ١ - ٢ و ١٦

فكان نسل الزوجة الأولى أعلى شأناً من غيرها و منه جاء السيد المسيح له المجد لخلاص العالم.

و لا نرى في العهد القديم تحريماً واضحاً لتعدد الزوجات، و لكننا لا نرى أيضاً ما يؤيده. و إن كان هناك ما يشير إلى هذا أو ذاك، فليس أوضح من قول الله في سفر التكوين:

{لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.} تك ٢ : ٢٤

فكيف يكون الرجل جسداً واحداً مع أكثر من إمرأة؟ و كيف تكون المرأة جسداً واحداً مع إمرأة أخرى لزوجها؟ كما نرى أن الله في العهد القديم حرم العديد من الزيجات في أحوال معينة (لا ١٨) و وضع شرطاً خاصاً للكهنة (إذ أنهم مقدسين لله) ألا يتزوجوا من مطلقات أو زانيات، و للكاهن الأعظم ألا يتخذ زوجة إلا عذراء (فلا يكون عاشرها قبل الزواج):

{وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «كَلِّمْ الْكَهَنَةَ بَنِي هَارُونَ وَقُلْ لَهُمْ:........إِمْرَأَةً زَانِيَةً أَوْ مُدَنَّسَةً لاَ يَأْخُذُوا، وَلاَ يَأْخُذُوا امْرَأَةً مُطَلَّقَةً مِنْ زَوْجِهَا. لأَنَّهُ مُقَدَّسٌ لإِلهِهِ.......وَالْكَاهِنُ الأَعْظَمُ.......هذَا يَأْخُذُ امْرَأَةً عَذْرَاءَ. أَمَّا الأَرْمَلَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ وَالْمُدَنَّسَةُ وَالزَّانِيَةُ فَمِنْ هؤُلاَءِ لاَ يَأْخُذُ، بَلْ يَتَّخِذُ عَذْرَاءَ مِنْ قَوْمِهِ امْرَأَةً.»} لا ٢١ : ١ و ٧ و ١٠ و ١٣ - ١٤

و نص التلمود على أن الحد الأقصى للزوجات هو أربع، ثم حرم الراباي جرشوم بن يهوذا في القرن الحادي عشر تعدد الزوجات على اليهود الأشكيناز، و هو النظام المعمول به حالياً بين اليهود.

الزواج في العهد الجديد:

قال السيد المسيح بوضوح أن من طلق امرأته و إتخذ أخرى فإنه يزني و من تزوج مطلقة فإنه يزني بها، و أوضح أن "الله خلقهما منذ البدء ذكراً و أنثى":

{أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ........وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي.} مت ١٩ : ٤ - ٦ و ٩

{وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ. مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ. ثُمَّ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا عَنْ ذلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ:«مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي عَلَيْهَا. وَإِنْ طَلَّقَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ تَزْنِي»} مر ١٠ : ٦ - ١٢

{كُلُّ مَنْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَيَتَزَوَّجُ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَكُلُّ مَنْ يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ مِنْ رَجُل يَزْنِي.} لو ١٦ : ١٨

فإذا كان السيد المسيح يقول أن المطلق أو المطلقة يزنون إذا تزوجوا ثانية (و هم غير مرتبطين بعقد الزواج) فكم بالحري من هو متزوج بإمرأة؟ كما نرى أن السيد المسيح قال:

{وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ.} مت ١٩ : ٢٩

{فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ:لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ الإِنْجِيلِ،إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ الآنَ فِي هذَا الزَّمَانِ، بُيُوتًا وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأَوْلاَدًا وَحُقُولاً، مَعَ اضْطِهَادَاتٍ، وَفِي الدَّهْرِ الآتِي الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ.} مر ١٠ : ٢٩ - ٣٠

{إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا.} لو ١٤ : ٢٦

و نلاحظ أن السيد المسيح ذكر ما يحتمل الجمع مما يمكن أن يتركه الإنسان في صيغة الجمع، و ذكر في صيغة المفرد الأب و الأم و المرأة، و حتى عندما قال أنه يعوض في هذا الزمان، لم يذكر المرأة، و ذكر الأولاد في صيغة الجمع كما ذكر الأمهات، و هذا يوضح أنه سيعوض بمن يكونون في منزلة الأم و في منزلة الولد و ليس أمهات بالجسد و لا أولاداً بالجسد، و لهذا فهو لا يحتاج لإمرأة ليعوض بالأولاد. فكما أن للرجل أب واحد و أم واحدة، كذلك يكون له زوجة واحدة. أذكركم أن تعدد الزوجات كان مسموحاً به بين اليهود في أيام السيد المسيح، و بالرغم من ذلك ذكر المرأة بصيغة المفرد.

و يثبت بولس الرسول هذا القول و يوضحه في رسائله:

{وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا: فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً. وَلكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا، لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا.......لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ.} ١ كو ٧ : ١ - ٢ و ٤

فلكل رجل إمرأة (و ليس نساء) و لكل إمرأة رجل (و ليس رجال). و كيف يكون للمرأة تسلط على جسد الرجل و هو متزوج بأخرى؟ نذكر أيضاً أنه في الأيام الأولى للكنيسة كان هناك من يؤمنون بالسيد المسيح من الوثنيين و هم في وضع إجتماعي كانت تسمح به مجتمعاتهم و عقيدتهم القديمة، و لذلك فإنه كان من الممكن جداً أن يكون من قد تزوج بأكثر من إمرأة ثم إعتنق المسيحية، و في هذا قال بولس الرسول:

{وَأَمَّا الْبَاقُونَ، فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا، لاَ الرَّبُّ: إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ تَرْتَضِي أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ، فَلاَ يَتْرُكْهَا. وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَهُوَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا، فَلاَ تَتْرُكْهُ. لأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُلِ. وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ، وَأَمَّا الآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ.} ١ كو ٧ : ١٢ - ١٤

فلم يكن الرجل الذي آمن بالسيد المسيح ليترك امرأته أو تترك المرأة زوجها. و في هذا أيضاً قال بطرس الرسول في رسالته:

{كَذلِكُنَّ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، كُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِكُنَّ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ لاَ يُطِيعُونَ الْكَلِمَةَ، يُرْبَحُونَ بِسِيرَةِ النِّسَاءِ بِدُونِ كَلِمَةٍ.} ١ بط ٣ : ١

و أوضح بولس الرسول أنه إن كان أحد بلا لوم فهو "بعل إمرأة واحدة":

{إِنْ كَانَ أَحَدٌ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لَهُ أَوْلاَدٌ مُؤْمِنُونَ، لَيْسُوا فِي شِكَايَةِ الْخَلاَعَةِ وَلاَ مُتَمَرِّدِينَ.} تي ١ : ٦

و كان الأسقف في بداية التبشير يشترط أن يكون بعل إمرأة واحدة، إذ لم يكن الكثيرون من المؤهلين روحياً للقيام بهذه المسئولية متبتلين، و كذلك كان الشمامسة المختارين للخدمة:

{فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِيًا، عَاقِلاً، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ..........لِيَكُنِ الشَّمَامِسَةُ كُلٌّ بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، مُدَبِّرِينَ أَوْلاَدَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ حَسَنًا} ١ تي ٣ : ٢ و ١٢

فشريعة المرأة الواحدة موجودة في المسيحية منذ عصورها الأولى، و إن لم يذكر في الأناجيل أن السيد المسيح صرح بها قولاً، فإنه يذكر أيضاً أنه علم تلاميذه الكثير مما لم يكتب في الأناجيل في الأربعين يوماً التي كان يظهر لهم فيها بعد قيامته و يعلمهم:

{اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ.} أع ١ : ٣

و كذلك نؤمن أن الروح القدس الذي حل على التلاميذ و هم مجتمعون في العلية كان يعلم التلاميذ و الرسل و يرشدهم إلى الحق:

{وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ.} يو ١٦ : ١٣ - ١٥

{وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا.} أع ٢ : ١ - ٤

فليس فقط كل ما هو مكتوب في الأناجيل الأربعة تعاليم الرب و وصاياه، و انما كل ما ذكر في العهد الجديد و كل ما سلم شفاهة من الآباء الرسل و تحتفظ به الكنيسة فيما يعرف ب-"الدسقولية" و هي تعاليم الآباء الرسل الأولين.

العلاقة بين الزوج و الزوجة في المسيحية:

اوضحنا سابقاً أن الله قال أن الرجل يلتصق بامرأته و يصيران جسداً واحداً، و يقول بولس الرسول عن هذا:

{أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا......كَذلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ.} أف ٥ : ٢٥ و ٢٨ - ٢٩

و أوصى بطرس الرسول الرجال قائلاً:

{كَذلِكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ، كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ مَعَ الإِنَاءِ النِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً، كَالْوَارِثَاتِ أَيْضًا مَعَكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ.} ١ بط ٣ : ٧

فالكتاب المقدس أوصى الرجل أن يعامل امرأته كجسده و يعلمه انهما صارا جسداً واحداً بالزواج، و يوصيه أن يعطيها كرامة، و أن يبذل نفسه عنها كما بذل المسيح نفسه عن الكنيسة، و في هذا تشبيه عظيم، حيث أنه ليس حب أعظم من أن يبذل إنسان نفسه عمن يحب:

{لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ.} يو ١٥ : ١٣

و كما أوصى الكتاب المقدس الرجل هكذا أوصى المرأة. يقول بولس الرسول:

{أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ.} أف ٥ : ٢٢ - ٢٤

و يقول بطرس الرسول في رسالته:

{وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَإِنَّهُ هكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ «سَيِّدَهَا». الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْرًا، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفًا الْبَتَّةَ.} ١ بط ٣ : ١ و ٥ - ٦

فالكتاب المقدس أوصى المرأة بالخضوع للرجل كخضوع الكنيسة للمسيح (و هو أيضاً تشبيه عظيم) و ضرب مثلاً سارة التي كانت تنادي إبراهيم "سيدي". إذا إلتزم كل طرف من طرفي الزواج بتعاليم الكتاب المقدس صارت الحياة الزوجية قطعة من الجنة على الأرض. الرجل يحب امرأته و يبذل نفسه من أجلها و يكرمها و المرأة تخضع لزوجها بالمحبة.

هل يتزوج المسيحي أو المسيحية بغير المؤمنين؟

لا توافق الكنيسة على ذلك و لا تقره و تعتبره زنى. يقول بولس الرسول:

{لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ وَأَيُّ اتِّفَاق لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟ وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَانِ؟ فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ.} ٢ كو ٦ : ١٤ - ١٦

و هذا هو الموقف الثابت و الدائم للمسيحية لمن له الإختيار. فمن كان مسيحياً و من كانت مسيحية لا يختار أن يسكن مع غير المؤمنين، و إلا فصل نفسه أو فصلت نفسها عن الكنيسة. الإستثناء هو ما سبق إذا آمن بالمسيح من كان متزوجاً من قبل، و القاعدة أن المسيحي لا يتزوج من غير المسيحيين.

الكنيسة تؤمن بأن الزواج هو سر من أسرار الكنيسة السبعة، و معنى كلمة سر أن الروح القدس يعمل بشكل غير مرئي و يحدث تغييراً غير مرئي فلا نعلم كيف يحدث ذلك و لكننا نؤمن أنه يحدث. الأسرار السبعة هي سر المعمودية (لمغفرة خطية آدم) و سر الميرون (لحلول الروح القدس) و سر الاعتراف و التوبة (لمغفرة الخطايا المكتسبة في الحياة) و سر التناول (للاتحاد بالسيد المسيح) و سر الكهنوت (لتقديس الكاهن ليؤهل لممارسة الأسرار) و سر الزيجة (أي الزواج) و سر مسحة المرضى (للشفاء من الأمراض). الكنيسة تؤمن أن الروح القدس يحل على الزوجين فيجعل منهما جسداً واحداً و يقدس الحياة الزوجية. و لذلك، لا تزوج الكنيسة المؤمنين بالمسيح من غير المؤمنين، لأن غير المؤمنين لا يحق لهم ممارسة الأسرار الكنسية، و تعتبر الكنيسة أن الجنس خارج إطار الزواج كما تعرفه الكنيسة كسر من الأسرار المقدسة هو زنى.

أرجو أن أكون قد وضحت بعض المفاهيم المسيحية الخاصة بالزواج، و كالعادة أرجو عدم التعليق. لست أحاول إقناع أحد بشيء و لست أحاول الدخول في مجادلات، و لكنني أوضح مفاهيم مسيحية قد تكون خافية على البعض، حتى على بعض المسيحيين مع الأسف.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق