هذا المقال هو أحد مجموعة من المقالات عن بعض المفاهيم في المسيحية. ستجد في هذا الرابط قائمة بالمقالات المتاحة.
مبدئياً أقول لمن يظن أن المسيحيين يعبدون ثلاثة آلهة: ”أنت مخطئ في فهمك للعقيدة المسيحية خطأ فادحاً يا عزيزي و أرجو أن تقرأ عساك أن تفهم“
و أقول لمن يعرف أن المسيحيين يعبدون إلهاً واحداً: ”اقرأ ربما أفدتك بشيء أو أفدتني بشيء“
عندما نرشم علامة الصليب قبل و بعد كل صلاة و مرات كثيرة أثناء الصلاة نقول ”بإسم الآب و الإبن و الروح القدس الإله الواحد آمين“. نحن نعبد إلهاً واحداً و ليس ثلاثة. نعبد إلهاً واحداً مثلث الأقانيم (أي الصفات الذاتية).
و في قانون الإيمان الذي نتلوه في كل صلاة من صلوات الأجبية (صلوات سبعة تتلى في ساعات معينة من النهار أو الليل لمن أراد أن يصليها، و تم تجميعها في كتاب ’الأجبية‘ و هي كلمة قبطية بمعنى ’المنسوب إلى الساعات‘ و يطلق على الأجبية ’كتاب صلوات السواعي‘ أو ’كتاب السواعي‘ و هو صيغة جمع خاطئة و لكن شائعة لكلمة ’ساعة‘) و في كل قداس في الكنيسة نبدأ بقولنا: ”بالحقيقة نؤمن بإله واحد“.
نحن لا نقول أن الله ثالث ثلاثة يا أحبائي، و لكن نقول أن الله ذو صفات ثلاثة نطلق عليها الكلمة السريانية (الآرامية) ’أقانيم‘ (جمع ’أقنوم‘) و هي الآب و الإبن و الروح القدس.
الله موجود بذاته، ظاهر للكل بكلمته، عامل في القلوب بروحه القدوس.
الله (الآب) موجود منذ الأزل بذاته. كما أن الأب هو الأصل و الأبناء هم الفروع، فالله هو أصل كل شيء، و إستخدام كلمة الآب للدلالة على وجود الله الأزلي أصل الكون و ما فيه.
الله (الإبن) ظاهر بكلمته، بخلقه للكون بكلمة "كن". ليس لله لسان و لا فم مثلنا، و لكن كما نشبه إرادة الله الخالقة بالكلمة، فهكذا الإبن (صفة الله الخالق)، و كما لا أرى أفكارك و لكني أعرفها من خلال كلامك، فهكذا لم نر الله و لكن عرفناه من خلال تجسده في شخص السيد المسيح "كلمة الله"، و هو الله "الظاهر" في الجسد. الابن ليس منفصلاً عن الآب، بل هما واحد في جوهر واحد لا ينفصل و لا يتجزأ، و لكننا "رأينا" الابن و لم نر الآب، بمعنى اننا رأينا السيد المسيح و كلم البشر و عاش بينهم و لم نر وجود الله الأزلي.
الله (الروح القدس) عامل في القلوب بروحه. ما هو الضمير و ما هي الفطرة؟ هل هي جزء من الجسم مخلوق فينا يمكن أن نحدده؟ لماذا نشعر بالخزي و الخجل عندما نخطئ؟ كيف نعرف الخطأ من الصواب من دون توجيه مباشر؟ هذا هو روح الله العامل في قلوبنا الذي يرشدنا إلى الصواب و يجعلنا نميز بين الخير و الشر و بين الحق و الباطل. هذا العمل الإلهي المستمر في القلوب هو أيضاً لا يتجزأ و لا ينفصل عن الجوهر الإلهي الواحد. هذا الروح العامل في قلوبنا هو من يعطينا السلام حينما نطلبه من رب السلام، و هو من يثمر في اعمالنا ثماراً نعرف بها وسط العالم كما قال بولس الرسول:
وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ (غل ٥ : ٢٢ - ٢٣)
وجود الله الأزلي و ظهوره للبشر بكلمته و روحه العامل في القلوب هي جميعاً جوهر واحد و إله واحد لا يتجزأ و لا ينقسم.
الآب هو الله الواحد الأزلي الوجود.
و الإبن هو الله الواحد الظاهر للبشر بخلقته و تجسده.
و الروح القدس هو الله الواحد العامل في قلوب البشر.
أنظر إلى النار. هي لهب و ضوء و حرارة، و الجميع كيان واحد لا يتجزأ. إذا أدرت ظهرك للنار لن ترى اللهب، و لكنك سترى الضوء و تشعر بالحرارة. و إذا ابتعدت عن النار لن تشعر بالحرارة و لكنك سترى اللهب و الضوء. لن تقول ساعتها أن اللهب منفصل عن الضوء و كلاهما منفصل عن الحرارة. الكل كيان واحد لا يتجزأ.
لا نقول في المسيحية أن الآب صار له ولد من إمرأة كما يصير للرجل من جنس البشر. عندما أراد الله أن يتجسد ليتمم الفداء إتخذ جسداً بشرياً من مريم العذراء بدون أن تعرف رجلاً في اعجاز لم و لن يتكرر، و هذا هو الإيمان المسيحي. المسيحيون يؤمنون أن السيدة العذراء لها مكانة مميزة عن باقي البشر، إذ أنها الوحيدة التي اختارها الله ليتجسد منها، و لكنها في الأول و الآخر بشراً و ليس إلهاً، و هم أيضاً يؤمنون أن السيدة العذراء ظلت عذراء حتى بعد ولادة السيد المسيح له المجد، و لا يوجد في الإيمان المسيحي القويم غير ذلك مطلقاً.
نحن نؤمن أن الله "لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد". الله الأزلي الأبدي لم يولد، و هو موجود منذ الأزل. السيد المسيح و هو الله الظاهر في الجسد ولد من السيدة العذراء، و لكن نقول أنه "تأنس" منها، أي أخذ منها الجسد الإنساني، و كان ذاك الجسد متحداً بالطبيعة الإلهية "بغير إختلاط و لا إمتزاج و لا تغيير" كما نقول في قداساتنا. الجسد ولد من العذراء و ليس الذات الإلهية. و ليس السيد المسيح إبناً لله بمفهومنا الأرضي العالمي، فلم يتزوج الله و حاشا له، و انما نؤمن أن السيد المسيح هو نفسه الله الظاهر في الجسد. السيد المسيح في الإيمان المسيحي هو الأقنوم الثاني (أو الصفة الثانية) لله، و هو الابن لأننا رأينا فيه الآب، كشبه الابن لأبيه.
اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ. (يو ١ : ١٨)
أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ. (يو ١٠ : ٣٠)
قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ:«يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا». قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ (يو ١٤ : ٨ - ١٠)
و نحن لا نؤمن أن "الله هو المسيح" و حسب و لكن نؤمن أن "المسيح هو الله" أيضاً، و هناك فرق كبير. أن نحصر الإله غير المحدود بزمان أو مكان أو مقدرة في شخص السيد المسيح كإنسان، فهو مرفوض تماماً في العقيدة المسيحية القويمة. نحن نؤمن أن الله كان و لا يزال يملأ الكون كله بلا حدود، و قد اتحدت الطبيعة الإلهية بالسيد المسيح إتحاداً فريداً من نوعه فكان إنساناً كاملاً و إلهاً كاملاً.
هل إذا فتحت النافذة ليدخل الضوء منها إلى الغرفة يترك الضوء الخارج و يدخل إلى الغرفة؟ أم أنه يدخل إلى الغرفة و يظل بالخارج أيضاً؟ هكذا أيضاً، و التشبيه مع الفارق، لم تنحصر الذات الإلهية في جسد السيد المسيح البشري و انما اتحدت به و هي لازالت تملأ الكون كله.
هذه هي عقيدة المسيحيين في التثليث و التوحيد باختصار شديد، و على من يريد الاطلاع على المزيد الرجوع للكتب المسيحية و هي كثيرة على حد علمي المحدود. و على من إكتفى بمعرفة فكرة بسيطة عن العقيدة المسيحية الاحتفاظ بآرائه لنفسه و إن كانت هناك اسئلة فلست أنا المجيب عنها. و على من لم يقتنع أن يصمت، فلست هنا لدعوة أحد للمسيحية و انما لعرض مفهوم العقيدة. و على من لم يفهم أن يقرأ ثانية أو يبتعد في سلام.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق