بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 3 أغسطس 2019

\(8÷2(2+2)=?\)

وجدت على تويتر هذا السؤال الذي يبدو لي سهلاً ومع ذلك اختلف عليه عدد لا بأس به من الناس، فمنهم من حسب قيمة هذا التعبير الرياضي كالآتي

\(8\div2\times(\color{red}{2+2})=\color{red}{8\div2}\times4=4\times4=16\)
ومنهم من حسبها كالآتي
\(8\div2\times(\color{red}{2+2})=8\div\color{red}{2\times4}=8\div8=1\)
ولأن الرياضيات ليس فيها مجال للغموض، ولأن التعبير الرياضي لا يصح أن يكون له أكثر من طريقة في التقييم، فإنني أؤيد وبشدة الطريقة الأولى، ولأن الرياضيات لا يصح فيها الآراء الشخصية، بل يحكم الاستنتاجات الرياضية المنطق وحده، فلا بد لي من إبداء الأسباب التي من أجلها أؤيد هذا الرأي بشدة.

رتب العمليات الحسابية

أبسط صورة من صور العمليات الرياضية تتمثل في عد الأعداد الصحيحة whole numbers بدءًا من الصفر وصعوداً نحو اللانهاية، وهذه المجموعة من الأعداد تعرف في الرياضيات بالأعداد الطبيعية natural numbers. العد counting هو أول ما يتعلمه الأطفال عن الرياضيات، وتعتبر عملية العد العملية الأساسية التي يمكن اجراؤها على الأرقام، ولذلك تسمى بالعملية ذات الرتبة الصفرية zero-order operation.

يلي عملية العد في التعقيد عمليتا الجمع والطرح، والجمع هو عد متتابع sequential counting في الاتجاه الموجب للأعداد بينما الطرح عد في الاتجاه السالب. وتوضح الصورة بالأسفل عملية الجمع \(3+5=8\) وعملية الطرح \(7-6=1\). ونجد أن الأطفال يتعلمون الجمع والطرح بعد تعلمهم العد، لأن هاتين العمليتين معرفتان باستخدام العد، ولهذا يطلق على عمليتي الجمع والطرح عمليات ذات رتبة أولى first-order operations.

ثم يلي ذلك عمليتا الضرب والقسمة، وهما عبارة عن جمع متتابع (بالنسبة للضرب) أو طرح متتابع (بالنسبة للقسمة). على سبيل المثال، حاصل ضرب \(3\) في \(5\) يتم حسابه عن طريق جمع \(3\) على نفسها \(5\) مرات متتابعة.

\(3\times5=3+3+3+3+3=15\)
أما خارج قسمة \(22\) على \(8\) فيتم حسابه عن طريق الطرح المتتابع للعدد \(8\) من العدد \(22\) حتى يتبقى عدد موجب أقل من \(8\).
\(\begin{aligned} 22-8 & =14 \\ 14-8 & =6 \end{aligned}\)
ومن ذلك نقول أن خارج قسمة \(22\) على \(8\) هو \(2\) مع باقي \(6\).

ولأن عمليتي الضرب والقسمة على مستوى أعلى من التعقيد من عمليات الجمع والطرح، ولأنهما معرفتان باستخدام الجمع والطرح، فإن هاتين العمليتين يسميان عمليات ذات رتبة ثانية second-order operations. ولهذا أيضاً نجد أن الأطفال يتعلمون الضرب والقسمة بعد تعلمهم الجمع والطرح.

أما عملية الرفع إلى أس exponentiation فهي معرفة باستخدام الضرب، والرفع إلى أس صحيح ما هو إلا ضرب متتابع، فمثلاً قيمة \(2^5\) يتم حسابها عن طريق ضرب \(2\) في نفسها \(5\) مرات.

\(2^5=2\times2\times2\times2\times2=32\)
وهكذا فإن عملية الرفع إلى أس أعقد من الضرب والقسمة، ولهذا تسمى عملية ذات رتبة ثالثة third-order operation ونجد أن الطلاب يتعلمون هذه العملية بعد تعلمهم الضرب والقسمة. ويستمر تسلسل العمليات بعد الرفع إلى أس، لكن العمليات ذات الرتبة الأكبر يزداد تعقيدها بشكل كبير وليس لها استخدام مباشر في التطبيقات العملية الشائعة، وغالباً لا يعلم عنها سوى من يحتاجها في الدراسة الأكاديمية أو في بعض المجالات القليلة جداً (منها علوم الحاسب الآلي) التي تستخدمها في التعامل مع الأرقام فائقة الكبر.

خاصية التجميع

عند تتابع أكثر من عملية حسابية من نفس الدرجة، يصير من المهم تحديد أسبقية إجراء العمليات لأن العمليات السابقة كلها (باستثناء العد) عمليات ثنائية binary أي تستقبل قيمتين operands اثنين وتنتج قيمة واحدة (باستثناء عملية القسمة عند إجرائها على الأعداد الصحيحة). وهكذا، يصير من المهم تحديد أسبقية إجراء العمليات في تعبير مثل \(5+4+1\)، ونجد أن ترتيب إجراء العمليات لا يؤثر في الناتج في عمليات الجمع والضرب.

\(\begin{aligned} \color{red}{5+4}+1 & =9+1=10 & \color{green}\checkmark & \quad & \color{red}{3\times2}\times4 & = 6\times4=24 \\ 5+\color{red}{4+1} & =5+5=10 & \color{green}\checkmark & \quad & 3\times\color{red}{2\times4} & = 3\times8=24 \end{aligned}\)
وليس هكذا الأمر في عمليات الطرح والقسمة، فعلى سبيل المثال
\(\begin{aligned} \color{red}{7-5}-3 & =2-3=-1 & \color{green}\checkmark & \quad & \color{red}{32\div4}\div2 & = 8\div2=4 \\ 7-\color{red}{5-3} & =7-2=5 & \color{red}{\text{X}} & \quad & 32\div\color{red}{4\div2} & = 32\div2=16 \end{aligned}\)
والاتفاق العام الذي يعد قاعدة رياضية الآن هو أن عمليتي الطرح والقسمة يتم إجراؤهما من الأول إلى الآخر حسب اتجاه الكتابة، ويعني ذلك أنها تُجرَى من اليسار إلى اليمين في اللغات اللاتينية مثل الإنجليزية والفرنسية ومن اليمين إلى اليسار في العربية، وفي هذه التدوينة استخدم الحروف اللاتينية في كتابة الرموز الرياضية، ولهذا فإن القاعدة تعني التقييم من اليسار إلى اليمين، أي أن السطر الأول هو ما يمثل القاعدة الصحيحة.

ويطلق على عمليتي الجمع والضرب عمليات تجميعية associative لأن تجميع العمليات من اليمين إلى اليسار أو من اليسار إلى اليمين لا يغير من الناتج، أما عمليتا الطرح والقسمة فيطلق عليهما عمليات تجميعية إلى اليسار left-associative (أو إلى اليمين في حالة الكتابة من اليمين إلى اليسار). أما عملية الرفع إلى أس فهي تجميعية إلى اليمين right-associative وعلى الرغم من أننا لا نحتاج لمناقشة هذه العملية للإجابة عن السؤال الموضوع في العنوان، إلا انني أذكر هذا من قبيل اكتمال المعلومة وتوضيح النوع الثالث من العمليات التجميعية.

\(\begin{aligned} 2^\color{red}{3^2} & =2^9=512 & \quad \color{green}\checkmark \\ \color{red}{2^3}^2 & =8^2=64 & \quad \color{red}{\text{X}} \end{aligned}\)

أولوية إجراء العمليات الحسابية

إذا تتابع أكثر من عملية حسابية ليست من نفس النوع، فأيهم يتم إجراؤه أولاً؟ وهل هذا يؤثر على الناتج؟ دعونا نرى كيف تؤثر أولوية إجراء العمليات الحسابية precedence of operations على ناتج التعبير \(30\div2+3\times5\).

  1. إجراء العمليات من اليسار إلى اليمين ينتج عنه التالي
    \(\color{red}{30\div2}-5\times2 =\color{red}{15-5}\times2 = \color{red}{10\times2} = \color{blue}{20}\)
  2. إجراؤها من اليمين إلى اليسار ينتج عنه التالي
    \(30\div2-\color{red}{5\times2} =30\div\color{red}{2-10} = \color{red}{30\div(-8)} = \color{blue}{-3\tfrac{3}{4}}\)
  3. إجراء عملية الضرب أولاً ثم القسمة ثم الطرح ينتج عنه التالي
    \(30\div2-\color{red}{5\times2} =\color{red}{30\div2}-10 = \color{red}{15-10} = \color{blue}{5}\)
  4. إجراء الضرب ثم الطرح ثم القسمة مكافئ لإجراء العمليات من اليمين إلى اليسار
  5. إجراء القسمة أولاً ثم الضرب ثم الطرح ينتج عنه التالي
    \(\color{red}{30\div2}-5\times2 =15-\color{red}{5\times2} = \color{red}{15-10} = \color{blue}{5}\)
  6. إجراء القسمة ثم الطرح ثم الضرب مكافئ لإجراء العمليات من اليسار إلى اليمين
  7. إجراء الطرح ثم القسمة ثم الضرب ينتج عنه
    \(30\div\color{red}{2-5}\times2 =\color{red}{30\div(-3)}\times2 = \color{red}{(-10)\times2} = \color{blue}{-20}\)
  8. إجراء الطرح ثم الضرب ثم القسمة ينتج عنه
    \(30\div\color{red}{2-5}\times2 =30\div\color{red}{(-3)\times2} = \color{red}{30\div(-6)} = \color{blue}{-5}\)

قد يبدو للوهلة الأولى أن تبديل أولوية القسمة مع الضرب لا يؤثر على الناتج حيث أن الناتج في الحالة 3 والحالة 5 متماثل، لكن بالنظر إلى الحالتين 7 و 8 نجد أن تبديل أولوية القسمة مع الضرب قد أثر على الناتج. هذا يعني أن أولوية إجراء العمليات ذات أهمية قصوى في الرياضيات، وإلا صار للتعبير الرياضي أكثر من قيمة ممكنة، وهو شيء غير مقبول على الإطلاق في مجال الرياضيات، فمن القواعد الأساسية في الكتابة الرياضية أن التعبير الواحد لا يمكن فهمه إلا بمفهوم واحد في السياق الواحد، وهكذا ينتفي الغموض ambiguity أو الالتباس confusion عن الكتابة الرياضية.

ونظراً لرتب العمليات الرياضية الموضحة أعلاه، فالقاعدة أن العمليات ذات الرتب الأعلى لها أولوية أكبر في الإجراء. وهنا نواجه مشكلة صغيرة وهي أن بعض العمليات لها نفس الرتبة، فالجمع والطرح من الرتبة الأولى، والضرب والقسمة من الرتبة الثانية. في هذه الحالة تجرى العمليات من اليسار إلى اليمين، إذ أن اتجاه إجراء العمليات لا يؤثر على ناتج الجمع أو الضرب، بينما القاعدة في الاتجاه هي الإجراء من اليسار إلى اليمين في الطرح والقسمة. وهكذا فإن ترتيب إجراء العمليات الحسابية في التعبيرات المعقدة هو كالآتي:

  1. الرفع إلى أس (رتبة ثالثة)
  2. الضرب والقسمة (رتبة ثانية) وفي حالة وجود الاثنين معاً يتم إجراء العمليات من اليسار إلى اليمين بالترتيب
  3. الجمع والطرح (رتبة أولى) وفي حالة وجود الاثنين معاً يتم إجراء العمليات من اليسار إلى اليمين بالترتيب

استخدام الأقواس

المشكلة في اتباع أولوية الإجراء السابقة أن تعبيراً مثل \(3+2\times4\) لا يمكن تقييمه على أنه \(5\times4\). فماذا إذا أردنا أن نقيمه بإجراء عملية الجمع أولاً قبل عملية الضرب؟ في هذه الحالة نستخدم الأقواس، وتعطى الأقواس في التعبيرات الرياضية أولوية أكبر من أي عملية أخرى، والهدف من هذا إعطاء مرونة في الكتابة تمكننا من تحديد طريقة تقييم التعبير كما نشاء، وعلى الرغم من أن أولوية إجراء العمليات الرياضية يمكن التحكم فيها بشكل كامل عن طريق استخدام الأقواس، إلا أن هذه الطريقة تجعل التعبيرات المعقدة صعبة الفهم. على سبيل المثال، التعبير الآتي

\((((7\times2)-4)+((8\times3)\div6))+5\)
مكافئ تماماً (في حالة استخدام أولوية الإجراء الموضحة أعلاه) لنفس التعبير بدون أقواس على الإطلاق!
\((((7\times2)-4)+((8\times3)\div6))+5=7\times2-4+8\times3\div6+5\)
أي أن استخدام أولوية إجراء العمليات يقلل من استخدام الأقواس ويجعل التعبيرات الرياضية أسهل في الفهم والكتابة، وهكذا فإن الأولوية النهائية لإجراء العمليات هي

  1. الأقواس (يتم تقييمها من الداخل إلى الخارج)
  2. الرفع إلى أس (رتبة ثالثة)
  3. الضرب والقسمة (رتبة ثانية) وفي حالة وجود الاثنين معاً يتم إجراء العمليات من اليسار إلى اليمين بالترتيب
  4. الجمع والطرح (رتبة أولى) وفي حالة وجود الاثنين معاً يتم إجراء العمليات من اليسار إلى اليمين بالترتيب

الضرب الضمني

عملية الضرب شائعة جداً في الرياضيات، ولذلك فإن من المتعارف عليه أن علامة الضرب يمكن إهمالها عندما لا يسبب ذلك التباساً، وعليه فإن تعبيراً مثل \(2ab\) يفهم على أنه \(2\times a\times b\)، وعندما يتم إهمال علامة الضرب تسمى عملية الضرب ضرباً ضمنياً implicit multiplication. شرط أساسي في الضرب الضمني ألا يتسبب في غموض أو التباس، ولهذا عادة ما يستخدم حرف واحد للتعبير عن المتغيرات (أو الثوابت) الرياضية، إذ أن استخدام أكثر من حرف للتعبير عن متغير واحد قد يؤدي إلى التباس. على سبيل المثال، للتعبير عن المساحة عادة ما نستخدم الحرف \(A\) بدلاً من أن نكتب كلمة المساحة \(Area\) بالإنجليزية، لأن الأخيرة قد تفهم على أنها أربعة متغيرات \(A,r,e,a\) مضروبة في بعضها البعض ضرباً ضمنياً.وعلى الرغم من أن سياق التعبير يمكن أن يوضح المعنى، إلا أنه من الأفضل استخدام حرف واحد مع تعريف معناه في أول الكتابة لمنع الالتباس بشكل كامل. وأذكر الضرب الضمني هنا لأن التعبير المكتوب في العنوان يحتوي على ضرب ضمني.

يلاحظ أن الضرب الضمني لا يصح مع الأرقام، إذ أن تعبيراً مثل \(3456\) يفهم على أنه ثلاثة آلاف وأربعمئة وخمس وستين، ولا يفهم على أنه \(3\times456\) أو \(34\times56\) أو أي شيء من هذا القبيل. عندما يراد استخدام الضرب الضمني مع الأرقام، توضع القيم المراد ضربها بين أقواس (كما هو الحال في التعبير المكتوب في العنوان)، وإذا كان من المراد التعبير عن \(34\times56\) فمن الممكن كتابته كالآتي \(34(56)\) أو كالآتي \((34)56\).

وبناء على ما سبق، فإن التعبير الذي في العنوان يتم تقييمه كالآتي:

  1. الأقواس أولاً
    \(8\div2\color{red}{(2+2)}=8\div2\times4\)
  2. ثم الضرب (وهو ضمني في هذه الحالة) والقسمة بالترتيب من اليسار إلى اليمين
    \(\color{red}{8\div2}\times4=\color{red}{4\times4}=\color{blue}{16}\)

رأي آخر

قرأت على تويتر رأياً آخر مفاده أن الضرب الضمني له أولوية في الإجراء على عملية القسمة، واستشهد قائله بمقال من موسوعة الإنترنت ويكيبيديا والمقال يحتوي على مراجع ذات شأن يمكن الرجوع إليها على الإنترنت، منها على سبيل المثال Physical review style and notation guide وهو المرجع الخاص بمجلة Physical Review الموجه إلى كاتبي المقالات لتحديد طريقة العرض المعيارية التي تقبلها المجلة، وفي هذا المرجع وتحديداً في الفقرة IV–E–2–e يعطى الضرب أولوية على القسمة. فهل يتعارض ذلك مع ما سبق؟

هذا المرجع يتحدث على وجه التحديد عن استخدام الشرطة المائلة كعلامة للقسمة في التعبيرات الرياضية التي تحتوي على كسور، ولا يتحدث عن أولوية إجراء العمليات الرياضية بشكل مطلق. فما هو الفرق؟ المقالات العملية التي تحتوي على تعبيرات رياضية عادة ما يتم إعدادها للطباعة باستخدام لاتك \(\mathrm{\LaTeX}\) وهي لغة برمجة تختص بإعداد الوثائق للطباعة، وليست معروفة خارج نطاق المهتمين بنشر أبحاث في المجالات التي تتطلب كتابة تعبيرات رياضية، فلن تجدها معروفة مثلاً للأطباء حيث أن أبحاثهم المنشورة قلما تحتوي على مثل تعبيرات رياضية، وفي أول صفحة في هذا المرجع تجد أنه يحدد الغرض من استخدامه، وهو إعداد الوثائق باستخدام REVTeX وهي مجموعة من ملفات الماكرو للغة \(\mathrm{\LaTeX}\) من إعداد American Physical Society للاستخدام لإعداد الوثائق للنشر في مجلاتها.

والسؤال المهم الآن: لماذا يوجد ترتيب متعارف عليه يختلف عن القواعد السابق ذكرها؟ للتوضيح أذكر أن هذه التدوينة تستخدم \(\mathrm{\LaTeX}\) عن طريق JavaScript فيما يعرف بمكتبة MathJax ويمكن كتابة الكسور في صورة من اثنتين: إما ما يعرف بصورة العرض display style مثل \(\dfrac{3}{5}\) أو ما يعرف بصورة النص text style مثل \(\tfrac{3}{5}\)، والفرق بينهما واضح، فصورة العرض تستخدم نفس حجم الخط الأساسي، وعليه فإن الكسر يكون كبيراً ويأخذ مسافة رأسية أكبر بشكل واضح من ارتفاع السطر ومن المسافة بين الأسطر، أما صورة النص فتستخدم حجماً أصغر من الخط بحيث لا يتعدى ارتفاع الكسر ارتفاع السطر فيتسبب ذلك في أن يكون شكل ذلك السطر قبيحاً بين بقية الأسطر.

ويقول المرجع بشكل واضح لا يحتمل تفسيراً آخر أن هذه الأولوية في إجراء العمليات الرياضية تختص فقط بحالة استخدام الشرطة المائلة للتعبير عن الكسور، والشرطة المائلة كما في \(3/5\) تجعل من الممكن استخدام الحجم الطبيعي للخط مع عدم استخدام مسافة رأسية أكبر من ارتفاع السطر الطبيعي. في حالة استخدام الشرطة الأفقية لا يوجد مكان للالتباس، حيث أن البسط كله يعد مقسوماً على المقام كله، فمثلاً التعبيران الآتيان متكافئان

\(\dfrac{a+b-3}{2c^2+5}=(a+b-3)\div(2c^2+5)\)
أما في حالة استخدام الشرطة المائلة يظهر التباس
\(a+b-3/2c^2+5\)
وعلى وجه التحديد، يلزم استخدام أقواس في هذه الحالة ليكون التعبير مكافئاً للآخر الذي يحتوي على الشرطة الأفقية
\((a+b-3)/(2c^2+5)\)

ولكن ماذا عن تعبير مثل \(3a/5b\)؟ إذا استخدمنا أولوية العمليات الرياضية التي سبق ذكرها، واعتبرنا أن الشرطة المائلة علامة قسمة، يكون التعبير مكافئاً للآتي \(3\times a\div5\times b\)، وعليه يتم تقييمه على أنه \(\dfrac{3\times a}{5}\times b\). فماذا إن كان الكاتب يريد أن يعبر عن الكسر \(\dfrac{3a}{5b}\) لكن باستخدام الشرطة المائلة لتجنب تصغير الخط؟ في هذه الحالة يلزم عليه أن يكتب الكسر في الصيغة \(3a/(5b)\). ولتجنب كتابة أقواس لا داعي لها، ولأن استخدام الشرطة المائلة للتعبير عن الكسور شائع ويؤدي إلى نص شكله أفضل، فإنه في هذه الحالة وفقط في هذه الحالة تعطى أولوية للضرب الضمني على القسمة المكتوبة في صورة شرطة مائلة، وهكذا يمكن أن نفهم التعبير \(3a/5b\) على أنه \(\dfrac{3a}{5b}\) بدون استخدام أقواس وبدون إيجاد غموض في التعبيرات الرياضية، إذ أنه من المهم أن تتحرى مثل هذه المجلات العلمية المحترمة الدقة في كتابة التعبيرات الرياضية بما ينفي أي فرصة للالتباس أو الغموض.

ونظراً لأن تغيير أولوية العمليات الحسابية عما ذكرته سابقاً أمر يتعلق بحالة خاصة جداً ومحددة جداً تتعلق بشكل النص ولا تتعلق بأي فكرة رياضية، ونظراً لأن التعبير المكتوب في عنوان التدوينة لا يحتوي على قسمة في صورة شرطة مائلة، فإن هذا الرأي لا يصح استخدامه في تقييم مثل هذا التعبير، ويظل التقييم الصحيح هو ما ذكرته سابقاً وللأسباب التي ذكرتها سابقاً. وأذكر القارئ أن أولوية العمليات المذكورة في مرجع Physical Reveiw تختص فقط بطريقة إعداد النص كما هو مكتوب في المرجع ذاته، ولا تختص بطبيعة العمليات الرياضية وخواصها، ولا يصح أن تؤخذ مثل هذه الحالة الخاصة على أنها قاعدة عامة تطبق في تقييم التعبيرات الرياضية، وفي جميع الأحوال تظل طريقة الكتابة المثلى للرياضيات هي ما ينتفي عنها كل غموض والتباس، وإن تطلب الأمر تجنب استخدام الشرطة المائلة للتعبير عن الكسور، فليكن كذلك، إذ أن هناك طرق أخرى للتعبير عنها (مثل الأس السالب) لا تستخدم فيها الشرطة المائلة، وتجنب الالتباس يجُبّ التفضيلات الشخصية فيما يتعلق بالرياضيات.

استخدام البرامج والحاسبات الآلية

رأي آخر قرأته أن التقييم الصحيح هو ما ينتج من إدخال هذا التعبير في برامج الرياضيات المشهورة مثل MathCAD والحصول على الناتج منها. والحقيقة أنني استنكر هذا بشدة كمرجع لصحة أو خطأ التقييم، إذ أن الصحة أو الخطأ في الرياضيات لا تستمد قوتها من السلطة authority وإنما من المنطق ذاته، وعلى من يقدم حلاً لأي مشكلة أن يقدم برهاناً لهذا الحل، حتى وإن كان من أمهر وأذكى الرياضيين في العالم. ببساطة: لا يوجد شيء في الرياضيات لا يحتاج إلى برهان بخلاف المسلمات والتعريفات، وهذه محدودة العدد جداً وفي أغلب الأحوال لا يستخدمها المبرهن لأنها تبدأ من مستوى أساسي بدائي جداً. النتيجة التي يعطيها أي برنامج أو حاسب آلي ليست مقياساً، وقد نقبلها على أنها مؤشر من نوع ما، ولكنها بكل تأكيد ليست برهاناً، واستخدامها كبرهان هو من قبيل مغالطة الاحتكام إلى السلطة appeal to authority.

بوجه عام، في الرياضيات نهتم بكيفية الوصول إلى الحل وليس بالحل ذاته. الكيفية هي التي تجعل من الحل صحيحاً بشكل مطلق، وإن كان الحل صحيحاً في القيمة لكن طريقة الوصول إليه خاطئة فلا قيمة له، لأن ما بني على باطل فهو باطل.

الحقيقة المطلقة

الذي جعلني أقرر كتابة هذه التدوينة أنني قرأت رأياً لأحد الشخصيات المحترمة جداً اجتماعياً وأكاديمياً مفاده أن الحقيقة المطلقة غير موجودة ولا حتى في الرياضيات، وكان هذا مبنياً على وجود (أو تخيل وجود) أكثر من طريقة لتحديد أولوية إجراء العمليات الرياضية.

كلا وألف كلا.

الرياضيات هي العلم الوحيد الذي يختص بالحقيقة المطلقة. الخلط بين المفاهيم المجردة للرياضيات وبين التطبيقات العملية لها من أسباب توهم البعض بأن الحقيقة المطلقة لا توجد ولا حتى في الرياضيات. وفي حالتنا هذه، كان سبب الالتباس عدم التفريق بين حالة خاصة جداً لظروف خاصة جداً ولأسباب عملية تتعلق بإعداد النص للطباعة، وبين القواعد الرياضية العامة التي تعتمد على براهين والتي تستمد مباشرة من خصائص الأرقام وخصائص العمليات الرياضية.

الحقيقة المطلقة موجودة بكل تأكيد، وربما يتطلب هذا تدوينة أخرى لأن الكلام فيه يطول، وما أريد التأكيد عليه هنا أن الإدعاء بأن الحقيقة المطلقة غير موجودة هو ادعاء كاذب روج له ”فلاسفة“ ما بعد الحداثة postmodernism، وأكره أن أسميهم فلاسفة لأنني لا أتخيل فيلسوفاً ينفي وجود الحقيقة المطلقة. قد ينفي علمنا بكل بالحقيقة المطلقة، وفي هذا اتفق معه، لكن نفي وجودها هو كذب قبيح، وفي الرياضيات على وجه التحديد فإن نفي وجودها جنون أو عبث أو جهل بمعنى الرياضيات والغرض منها.

وربما أتفق مع من يظن أن كتابة تدوينة بهذا الحجم للرد على سؤال بهذا الصغر هو أمر مبالغ فيه، ولكنني لم أكتب التدوينة في الأساس للإجابة عن السؤال ولا لتوضيح قواعد الرياضيات، وإنما لأنني صدمت من ادعاء عدم وجود الحقيقة المطلقة في الرياضيات. إن أردت أن يخرج القارئ بشيء واحد فقط من هذه التدوينة فهو أن الرياضيات علم الحقيقة المطلقة.


نسب المصنفات