بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

التكفير في المسيحية

هذا المقال هو أحد مجموعة من المقالات عن بعض المفاهيم في المسيحية. ستجد في هذا الرابط قائمة بالمقالات المتاحة.
هذا المقال هو أحد مجموعة من المقالات تختص بنقاش موضوعات إسلامية بشكل أو بآخر. ستجد في هذا الرابط قائمة بالمقالات المتاحة.

أصل كلمة ’كفر‘ في اللغة العربية معناه الستر أو التغطية.

في لسان العرب:

كفرت الشيء أكفره (بكسر الفاء) أي سترته
والكافر الليل، وفي الصحاح: الليل المظلم لأنه يستر بظلمته كل شيء
وكفر الليل الشيء وكفر عليه: غطاه
وكفر الليل على أثر صاحبي: غطاه بسواده وظلمته
وكفر الجهل على علم فلان: غطاه
والكافر: البحر لستره ما فيه
والكافر: السحاب المظلم
وتقول العرب للزراع كافر لأنه يكفر البذر المبذور بتراب الأرض
والكَفر بالفتح: التغطية
والكافر والكفر: الظلمة لأنها تستر ما تحتها
والكفَر بفتح الفاء: التراب لأنه يستر ما تحته
والكفُر بضم الفاء: القير الذي تطلى به السفن لسواده وتغطيته
والكافر الذي كفر درعه بثوب أي غطاه ولبس فوقه
وكل شيء غطى شيئاً فقد كفره
ورجل كافر ومُكَفَّر في السلاح (بتشديد وفتح الفاء): داخل فيه
Knights in Combat
دروع الفرسان في العصور الوسطى[١]
والمُكَفَّر (بتشديد وفتح الفاء) الموثق في الحديد كأنه غطي به وستر
والمُتَكَفِّر (بتشديد وكسر الفاء) الداخل في سلاحه
والتكفير أن يتكفر المحارب في سلاحه
وسميت الكفارات كفارات لأنها تكفر الذنوب أي تسترها
الكفارة....هي عبارة عن الفعلة والخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة أي تمحوها وتسترها

وفي الصحاح في اللغة:

كفرت الشيء أكفِره بالكسر كفراً أي سترته
ورماد مكفور، إذا سفت الريح عليه حتى غطته
والكافر الليل المظلم لأنه ستر كل شيء بظلمته
View of South China Sea.jpg
صورة للبحر[٢]
والكافر الذي كفر درعه بثوب أي غطاه ولبس فوقه
وكل شيء غطى شيئاً فقد كفره، ومنه سمي الكافر لأنه يستر نعم الله عليه
والكافر: البحر
والكافر: الزارع، لأنه يغطي البذر بالتراب
والمتكفر: الداخل في سلاحه

وفي القاموس المحيط:

كفر نعمة الله وكفر بها كفوراً وكفراناً: جحدها وسترها
وكفر عليه يكفر: غطاه
وكفر الشيء: ستره
والكافر: الليل والبحر....والسحاب المظلم والزارع
والمكفر: الموثق في الحديد

و في مقاييس اللغة:

Cambodian farmers planting rice.jpg
مزارعو أرز في كامبوديا[٣]
الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد وهو الستر والتغطية
يقال لمن غطى درعه بثوب: قد كفر درعه
والمُكَفَّر الرجل المتغطي بسلاحه
ويقال للزارع كافر لأنه يغطي الحب بتراب الأرض
ورماد مكفور: سفت الريح التراب عليه حتى غطته
والكفر ضد الإيمان، سمي لأنه تغطية الحق
وكذلك كفران النعمة: جحودها وسترها

وإن كنت قرأت ما سبق من اقتباسات المعاجم فقد عرفت أن الكفر بالله هو جحده وإنكاره (في تشبيه لتغطية الحق من وجود الله)

وأظن على قدر علمي الضعيف أن الكفر بالمفهوم الشائع حالياً (وهو ضد الإيمان) مستحدث إسلامي في اللغة العربية ولم يكن معروفاً بهذا المعنى قبل الإسلام.

ولا كفر ولا تكفير في المسيحية....!

ذُكِر الكفر بمفهومه كضد للإيمان في الكتاب المقدس مرة واحدة فقط:

لِئَلاَّ أَشْبَعَ وَأَكْفُرَ وَأَقُولَ: ”مَنْ هُوَ الرَّبُّ؟“ أَوْ لِئَلاَّ أَفْتَقِرَ وَأَسْرِقَ وَأَتَّخِذَ اسْمَ إِلهِي بَاطِلاً (أمثال ٣٠ : ٩)

في الترجمة الإنجليزية:

Lest I be full, and deny thee, and say, Who is the LORD?

وفي الترجمة الفرنسية:

De peur que, dans l`abondance, je ne te renie Et ne dise: Qui est l`Éternel?

وفي هاتين الترجمتين جائت الكلمة بمعنى ’أنكر‘

في الإنجليزية ’deny

في الفرنسية ’renier

ولم ترد كلمة الكفر أو التكفير بمعناها الشائع حالياً في العهد الجديد ولا مرة، ولم تتكرر في العهد القديم في ترجمته العربية في غير هذه المرة، ونرى أنه لو استبدلت في الترجمة العربية بتعبير مثل ’أنكر الله‘ لما تغير المعنى مطلقاً.

وبينما كان بولس الرسول يبشر في أثينا لم يقذف الأثينيين بالكفر بل امتدحهم ’كقوم متدينين‘ مرشداً اياهم إلى الإله المجهول:

Arazzi di raffaello, cartone 02.jpg
بولس الرسول يبشر في أثينا[٤]

فَوَقَفَ بُولُسُ فِي وَسْطِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ وَقَالَ: ”أَيُّهَا الرِّجَالُ الأَثِينِوِيُّونَ! أَرَاكُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَنَّكُمْ مُتَدَيِّنُونَ كَثِيرًا، لأَنَّنِي بَيْنَمَا كُنْتُ أَجْتَازُ وَأَنْظُرُ إِلَى مَعْبُودَاتِكُمْ، وَجَدْتُ أَيْضًا مَذْبَحًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ: ’لإِلهٍ مَجْهُول‘. فَالَّذِي تَتَّقُونَهُ وَأَنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ، هذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ. الإِلهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، هذَا، إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي” (أعمال الرسل ١٧ : ٢٢ - ٢٤)

لا كفر و لا تكفير في المسيحية يا سادة.

من آمن بالمسيح فله أجره في السماء وله ضيقته على الأرض، ومن لم يؤمن فهو يحمل وزر نفسه.

المسيحية لم تصف غير المؤمن بالمسيح بالكفر ولم تقل أن من لم يؤمن بالمسيح ينكر وجود الله. المسيحية تقول إن من لم يؤمن بالمسيح مخلصاً وإلهاً متجسداً من أجل فداء البشر لن يدخل ملكوت السموات كما علمنا السيد المسيح نفسه.

المسيحي لا يدافع بقوته عن إلهه أو عن دينه، ولا يريد الله أن يراه يستخدم قوته في الدفاع عن إلهه أو دينه. عندما استل بطرس الرسول تلميذ السيد المسيح سيفه وضرب أذن عبد رئيس الكهنة فقطعها إذ جاء الجمع ليقبضوا على السيد المسيح ليحاكموه، حدث الآتي:

Douffet, Gérard - Taking of Christ with the Malchus Episode - c. 1620.jpg
القبض على المسيح في
بستان جسثيماني[٥]

فَلَمَّا رَأَى الَّذِينَ حَوْلَهُ مَايَكُونُ، قَالُوا: ”يَارَبُّ، أَنَضْرِبُ بِالسَّيْفِ؟“ وَضَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ الْيُمْنَى. فَأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ: ”دَعُوا إِلَى هذَا!“ وَلَمَسَ أُذْنَهُ وَأَبْرَأَهَا. (لوقا ٢٢ : ٤٩ - ٥١)

وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: ”رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟“ (متى ٢٦ : ٥١ - ٥٤)

الله خالق كل شيء ومدبر الكون والقادر على كل شيء يقدر حتماً أن يدافع عن دينه وعن نفسه وعن اتباعه (وفي المسيحية هم المسيحيون الذين دعيوا أبناءً لله برحمته ومحبته وفدائه). لم تطلب المسيحية من المسيحيين أن يكفروا أحداً على الإطلاق ولم تضع قواعد للتكفير. ولم تطلب من المسيحيين قتال غير المؤمنين.

عندما أرسل السيد المسيح تلاميذه للتبشير قال لهم:

المسيح يخاطب تلاميذه[٦]

اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصًا. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا. لاَ تَقْتَنُوا ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً وَلاَ نُحَاسًا فِي مَنَاطِقِكُمْ، وَلاَ مِزْوَدًا لِلطَّرِيقِ وَلاَ ثَوْبَيْنِ وَلاَ أَحْذِيَةً وَلاَ عَصًا، لأَنَّ الْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌّ طَعَامَهُ... وَمَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكُمْ فَاخْرُجُوا خَارِجًا مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ... هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ. وَلكِنِ احْذَرُوا مِنَ النَّاسِ، لأَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ. وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ. فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ. وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. (متى ١٠ : ٨ - ١٠ ، ١٤ ، ١٦-٢٢)

التلاميذ في تبشيرهم بالمسيحية أُمِروا بفعل الخير ووُصُّوا بألا يتخذوا لهم زاداً أو ثوبين في الطريق (الاتكال على الله) ووُصُّوا أيضاً أن يخرجوا من البيت الذي لا يقبلهم نافضين عنهم غبار أرجلهم (فلا قتال ولا جهاد مسلح في المسيحية) وأخبرهم السيد المسيح أنهم سيعانون ويلاقون الاضطهاد، وأوصاهم بالصبر للمنتهى من أجل نيل الخلاص.

المسيحية لا تقذف الناس بالكفر وتدعي أنهم ينكرون وجود الله، ولكنها توضح الطريق للإيمان الصحيح من المفهوم المسيحي، والاختيار متروك بالكامل لكل إنسان في أن يتبع هذا الطريق أو سواه، وفي النهاية فالحكم في الآخرة لله وحده فيمن يدخل الملكوت ومن لا يدخل، إذ نحن ذوو علم محدود وبالقطع لسنا مطلعين على خفايا القلوب.

لا كفر ولا تكفير في المسيحية يا سادة.

وعلى من لم يفهم أن يقرأ ثانية عله يفهم.


نسب المصنفات

باستثناء المصنفات المنسوبة فيما يلي، يستحق القراءة بواسطة رفيق ميخائيل مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف - غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دوليرخصة المشاع الابداعي.

  1. من صفحة جيف كوبينا (Jeff Kubina) على فليكر (Flickr)
  2. صورة للبحر: موسوعة الإنترنت ويكيبيديا
  3. مزارعو أرز في كامبوديا: موسوعة الإنترنت ويكيبيديا
  4. بولس الرسول يبشر في أثينا: موسوعة الإنترنت ويكيبيديا
  5. القبض على المسيح في بستان جسثيماني: موسوعة الإنترنت ويكيبيديا
  6. المسيح يخاطب تلاميذه: نفحات من الأناجيل Inspirations ~ from the Gospels

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق