هذا المقال هو أحد مجموعة من المقالات تختص بنقاش موضوعات إسلامية بشكل أو بآخر. ستجد في هذا الرابط قائمة بالمقالات المتاحة.
هناك صفحة أو ربما صفحات على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك تحت هذا العنوان الذي أظنه عنواناً لبرنامج تليفزيوني، وقد استرعى انتباهي العنوان بكل تأكيد لكوني مسيحياً قبطياً أرثوذكسياً، وجلست أفكر لوهلة هل أنا الآن رابح للمسيح حتى يمكن أن أربح محمداً ولا أخسر المسيح؟ وماذا سأربح في محمد يزيد عن ربحي في المسيح إذا كنت رابحاً للمسيح؟ وهل يمكن أن اربح محمداً ولا أخسر المسيح؟ كلها أسئلة منطقية لا بد أن أجيب عنها حتى أدرك مدى صحة هذا العنوان في وجهة نظري، وأنا على يقين أن رأيي سيختلف عن رأي الكثيرين في هذا المضمار، ولكن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية كما يقولون.
هل أنا رابح للمسيح؟
يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي:
لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً. بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ، وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرِّي الَّذِي مِنَ النَّامُوسِ، بَلِ الَّذِي بِإِيمَانِ الْمَسِيحِ، الْبِرُّ الَّذِي مِنَ اللهِ بِالإِيمَانِ. لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ. لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا الْمَسِيحُ يَسُوعُ. (في ٣ : ٧ - ١٢)
هذا هو ربح المسيح الذي يقول عنه الكتاب المقدس. أن أربح المسيح هو أن أؤمن بالمسيح إلهاً ومخلصاً وفادياً، قائماً من الأموات هازماً شوكة الخطية وغلبة الموت التي اكتسبناها بعصيان أبينا آدم لوصية الله، وأن أنال هبة الألم في سبيل الوصول إلى بر الله وملكوته. يقول بولس الرسول أيضاً في نفس الرسالة:
فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ وَرَأَيْتُكُمْ، أَوْ كُنْتُ غَائِبًا أَسْمَعُ أُمُورَكُمْ أَنَّكُمْ تَثْبُتُونَ فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيلِ، غَيْرَ مُخَوَّفِينَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُقَاوِمِينَ، الأَمْرُ الَّذِي هُوَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ لِلْهَلاَكِ، وَأَمَّا لَكُمْ فَلِلْخَلاَصِ، وَذلِكَ مِنَ اللهِ. لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ. إِذْ لَكُمُ الْجِهَادُ عَيْنُهُ الَّذِي رَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، وَالآنَ تَسْمَعُونَ فِيَّ. (في ١ : ٢٧ - ٣٠)
كما يقول في رسالته لأهل رومية:
فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ. فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا. (رو ٨ : ١٧ و ١٨)
فنحن إذ نُكافَأ عن تحمل الألم في الدنيا، نُكافَأ عن الألم الذي نتحمله ليس لعيب فينا ولكن لإيماننا بالمسيح يسوع إلهاً ومخلصاً ولسعينا لإعلان مجد إسمه القدوس بالشهادة (التي ليست هي المحاربة كما وضحت سابقاً) لحب الله المعلن على الصليب من أجل فداء جنس البشر، هذا الذي يرفضه الكثيرون ويستنكرونه، وهذا الذي نرى فيه حب الله وعدله يتفقان في تناغم عجيب. يقول بولس الرسول أيضاً:
فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ... لأَنَّ الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ. (أف ٢ : ١٨، ٢٣، ٢٤)
نؤمن بالمسيح الإله المتجسد الذي أعلن ذلك صراحة حين كان يخاطب نيقوديموس:
وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ. (يو ٣ : ١٣)
وقد قال المسيح عن نفسه ’ابن الإنسان‘ في مواضع كثيرة في الأناجيل يصعب حصرها الآن. فكيف يكون ابن الإنسان نزل من السماء وهو في السماء في ذات الوقت إن لم يكن هو الله؟
نؤمن بالمسيح الإله المتجسد غافر الخطايا، وما لأحد من دون الله أن يغفر الخطايا:
وَإِذَا مَفْلُوجٌ يُقَدِّمُونَهُ إِلَيْهِ مَطْرُوحًا عَلَى فِرَاشٍ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: ”ثِقْ يَا بُنَيَّ. مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ“. وَإِذَا قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ قَدْ قَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: ”هذَا يُجَدِّفُ!“ فَعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُمْ، فَقَالَ: ”لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِالشَّرِّ فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ، أَنْ يُقَالَ: ’مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ‘، أَمْ أَنْ يُقَالَ: ’قُمْ وَامْشِ؟‘ وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا“. حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: ”قُمِ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!“ فَقَامَ وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ. (مت ٩ : ٢ - ٧)
نؤمن بالمسيح الذي انتهر البحر و الرياح فأطاعته، المسيح الذي له سلطان إلهي على الطبيعة:
فَحَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ الأَمْوَاجُ تَضْرِبُ إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ. وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِمًا. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: ”يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟“ فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: ”اسْكُتْ! اِبْكَمْ!“. فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. وَقَالَ لَهُمْ: ”مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هكَذَا؟ كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟“ فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ”مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!“. (مر ٤ : ٣٧ - ٤١)
نؤمن بالمسيح إلهاً يقيم الموتى بأمره وبكلمة منه، الذي أقام لعازر بعد أربعة أيام في القبر وبعد أن أنتن:
قَالَ يَسُوعُ: ”ارْفَعُوا الْحَجَرَ!“. قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ الْمَيْتِ: ”يَاسَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ“. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: ”أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللهِ؟“. فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: ”أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي“. وَلَمَّا قَالَ هذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: ”لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!“ فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ”حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ“. (يو ١١ : ٣٩ - ٤٤)
نؤمن بالسيد المسيح إلهاً ظاهراً في الجسد، ابن الله بحسب النبوات في العهد القديم، الذي وضح ذلك لليهود:
وَقَالَ لَهُمْ: ”كَيْفَ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ دَاوُدَ؟ وَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَقُولُ فِي كِتَابِ الْمَزَامِيرِ: ’قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ‘. فَإِذًا دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبًّا. فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟.” (لو ٢٠ : ٤١ - ٤٤)
الذي امتدح بطرس حينما قال عنه ابن الله الحي ولم يزجره أو ينتهره:
قَالَ لَهُمْ: ”وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟“ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: ”أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!“. فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: ”طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.“ (مت ١٦ : ١٥ - ١٧)
الذي قال صراحة عن نفسه في محاكمته أمام رئيس الكهنة أنه هو المسيح:
أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتًا وَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضًا وَقَالَ لَهُ: ”أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟“ فَقَالَ يَسُوعُ:”أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ“. (مر ١٤ : ٦١ و ٦٢)
الذي حذرنا من الأنبياء الكذبة:
لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. (مت ٢٤ : ٢٤)
لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. (مر ١٣ : ٢٢)
ولهذا أنا أحسب نفسي رابحاً للمسيح، فأنا أؤمن به إلهاً ومخلصاً وأقنوماً ثانياً (ابن الله) في جوهر الله الواحد، وأؤمن بصلب المسيح وقيامته وفدائه لجنس البشر، وأؤمن أنني لن أخلص إلا بدم المسيح الفادي، حتى وإن كانت أعمالي تخلو من الخطية، "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رو ٣ : ٢٣)
ماذا سأربح في محمد يزيد عن ربحي في المسيح؟
إذا كان ربحي في المسيح هو الحياة الأبدية، فماذا يمكن أن أربح أكثر من ذلك؟ كل شيء يتضاءل بجانب اللانهاية، ولا شيء يعادل أن أربح حياة أبدية مع الله في ملكوته. لا شيء يعادل أن أكون في حضرة الله إلى الأبد وليس هناك حزن ولا صراخ ولا وجع:
ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ. وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا. وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: ”هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ. وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ.“ (رؤ ٢١ : ١ - ٤)
لا أرى في محمد إلا تكذيباً للكتاب المقدس الذي كُتِبَت أحدث أسفاره قبل محمد بخمسة قرون على الأقل، وأقدم أسفاره قبله بألفي عام تقريباً. لا أجد فيه إلا نقضاً للإيمان المسيحي الذي انتشر في ربوع العالم القديم في القرن الأول الميلادي، والذي دافع عنه شهداء المسيحية ويُقَدّر عدد شهداء الأقباط فقط بحوالي ثمانمئة ألف شهيد في القرون الأربعة الأولي للميلاد قتلوا من أجل تمسكهم بالإيمان المسيحي، والذي دافع عنه الآباء الأولون للكنيسة ولقوا من أجله الاضطهاد، والذي قيل من أجله للقديس أثناسيوس الرسولي ”العالم ضدك يا أثناسيوس“ فقال ”و أنا ضد العالم“. هذا الإيمان القوي الراسخ الذي نشره أقل من مئة رسول للمسيح لم يملكوا سوى أرديتهم ونعالهم وقوة الروح القدس ولم يحملوا مزوداً ولا أحذية ولا فضة (مت ١٠ : ١٠ و مر ٦ : ٨ و لو ٩ : ٣ و ١٠ : ٤) ويؤمن به اليوم أكثر من ملياري إنسان في أنحاء العالم. ولا أجد في ذلك النقض للإيمان المسيحي القويم دليلاً واضحاً على فساد هذا الإيمان، وإنما أجد جهلاً بالإيمان المسيحي.
الإسلام لا يضيف إلى المسيحية شيئاً، بل هو يهدم المسيحية من الأساس ويستبدلها بدين آخر لا علاقة له بالإيمان المسيحي، ويوجه خطابه إلى المسيحيين داعياً اياهم إلى ترك ’الكفر‘ الذي هم فيه:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (التوبة ٣٠)
معتبراً أن قول ”المسيح ابن الله“ يجعل من المسيح ابناً جسدياً لله أنجبه من صاحبةٍ بالتناسل الجنسي:
وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (الجن ٣)
ويعتبر السيد المسيح منفصلاً عن جوهر الله وشريكاً له في الملك:
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (الفرقان ٢)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (الإسراء ١١١)
ويعتبر أن للمسيحيين ثلاثة آلهة وهم الذين في كل صلاة لهم يرددون ”باسم الآب و الإبن و الروح القدس الإله الواحد آمين“:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا (النساء ١٧١)
وينفي أن المسيح أراد أن يعبده الناس ومريم العذراء إلهين، ولم تكن ألوهية العذراء أبداً جزءًا من الإيمان القويم:
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (المائدة ١١٦)
ويجعل المسيح لا يعلم علم الله—وهو الذي ساوى نفسه بالآب:
قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ”أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: ’أَرِنَا الآبَ؟‘” (يو ١٤ : ٩)
أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ (يو ١٠ : ٣٠)
وأكد أن علم الآب والابن واحد:
لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. (يو ٥ : ٢٠)
وينفي ألوهية المسيح التي هي لازمة للإيمان المسيحي بحسب كل طوائف المسيحية، ورأينا أن السيد المسيح في الأناجيل أعلن طبيعته الإلهية و قبل القول بأنه ’ابن الله‘:
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (المائدة ١٧)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (المائدة ٧٢)
ووجدنا الإسلام يقول أن المسيح ينبئ بمن يأتي بعده من الأنبياء، وهو كما رأينا لم يذكر في الكتاب المقدس:
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (الصف ٦)
وينفي صلب المسيح الذي هو من أساسيات العقيدة المسيحية:
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (النساء ١٥٧)
فكأنما الإسلام يتحدث عن دين آخر غير المسيحية التي نعرفها ونؤمن بها، ويتهم الإسلام المسيحيين واليهود من قبلهم بتحريف الكتاب المقدس، وليس من دليل في القرآن ولا في الحديث على مواضع التحريف ولا كيفيته ولا الداعي إليه، إلا النصوص القرآنية التي ذكرت التحريف عامة دون تحديد:
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة ٧٥)
مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَـٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء ٤٦)
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (المائدة ١٣)
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة ٤١)
فماذا في الإسلام يضيف إلى إيماني المسيحي القويم؟ لا أرى فيه إضافة!
هل يمكن أن أربح محمداً ولا أخسر المسيح؟
أن تخسر المسيح يعني أنك كنت رابحاً له من قبل ثم خسرته. ومن النقطتين السابقتين، فإنه يتضح إستحالة أن تربح محمداً ولا تخسر المسيح. إن كنت رابحاً للمسيح الأقنوم الثاني الله الظاهر في الجسد الفادي المخلص على الصليب والقائم من الأموات فلا يمكن أن تربح محمداً معه، إذ أن الإسلام ليس فيه هذا المسيح. أما إن كنت تعتبر أن المسيح رسول عادي مثله مثل باقي الرسل وباقي البشر، فأنت من الأصل لم تربح المسيح يا صديقي. وفي هذه الحالة فإن ربحك لمحمد بالإسلام لا يجعلك تخسر المسيح لأنك لم تكن رابحاً له أبداً، وتكون في هذه الحالة ربحت محمداً ولم تربح المسيح، ولا تكون ربحت محمداً ولم تخسر المسيح، أو تكون ربحت محمداً ولم تخسر مسيح الإسلام ولكنك لم تكسب مسيح المسيحية.
الاختيار في النهاية حرية شخصية لا أستطيع أن أفرضها على أحد أياً كان، ولا يستطيع أحد أن يفرضها علي، وفي النهاية وبعد أن نغادر هذا العالم ونذهب إلى خالقنا سيحاسبنا هو على ما رأيناه وسمعناه فعقلناه وعملنا به أو لم نعقله وأهملناه. احسب الخسارة والمكسب بموازينك الشخصية وقناعاتك، أما أنا فقناعتي:
لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ (في ١ : ٢١)
نسب المصنفات
يستحق القراءة بواسطة رفيق ميخائيل مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف - غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق