قررت أن اكتب هذه السلسلة من المقالات لتوضيح كيف أن علم الرياضيات نشأ بناء على مجموعة قليلة من الأفكار البسيطة جداً التي—بتركيبها مع بعضها البعض—يمكن استنتاج أفكار أكثر تعقيداً ومنها ما هو أكثر تعقيداً وهكذا، وفيما أكتب هذه السلسلة أذكر نفسي وأذكر القارئ بأن كل ما في الكون من تعقيدات يمكن تحليلها إلى عوامل أولية بسيطة بني منها وعليها كل شيء، وعندما نشعر بالحيرة أو يلتبس علينا الأمر، علينا بالرجوع إلى تلك العوامل الأولية والبدء من هناك متتبعين خطواتنا، وفي النهاية سنصل إلى أمر من اثنين: إما أن الحيرة والالتباس سيزولان عنا، أو أننا سندرك أننا لا نعرف، ولست أملك لهذا حلاً، فالمعرفة لانهائية، وقد نكون لا نعرف لأن تلك المعرفة تحديداً يستحيل الوصول إليها، أو لا نعرف لأننا لم نصل بعد إلى تلك الدرجة من المعرفة، وسواء كان هذا أم ذاك فعلى الأقل سنعرف أننا لا نعرف.
وفي هذه السلسلة أبدأ بالمفاهيم الأساسية للرياضيات وأبني عليها شيئاً فشيئاً، بحيث لا أستخدم أبداً إلا ما قد وصلت إليه في كلام سابق، وأرجو من القارئ المهتم أن يصححني إذا أخطأت ويلفت انتباهي إلى ما قد أسهو عنه، وأرجو أن يكون هذا العمل فيه بعض الفائدة.
هذه السلسلة ليست موجهة إلى الأطفال الذين يتعلمون المفاهيم الأساسية للرياضيات، وإنما إلى الكبار الذين تعلموا الرياضيات لكنهم لم يعرفوا—مثلي في أغلب الوقت الذي كنت فيه أتعلمها—من أين جاءت وكيف وصل إليها الأقدمون. ولا أزعم انني أعرف تحديداً كيف وصل الأقدمون إلى كل الحقائق الرياضية في زمنهم، ولكنني أقدم تدرجاً منطقياً للمفاهيم الرياضية الحالية من الأساسيات الأولية، آملاً أن يكون في هذا عون للبعض على تعليم الصغار الرياضيات بطريقة أسهل، وآملاً كذلك ألا يصير هناك سؤال في الرياضيات إجابته ”لأنها هكذا“ (أو ”هي كدا“ بالعامية المصرية)، فلا شيء في الرياضيات وجدناه هكذا.
وفي هذا السياق لا يسعني إلا أن أشكر وأذكر بالخير من ساعدني على المضي في هذه الرحلة وكان لهم أكبر تأثير إيجابي عليها وعلي: جدي—رحمه الله—مدرس العلوم في المرحلة الإعدادية، وزوج عمتي—رحمه الله—مدرس الرياضيات في المرحلة الثانوية، وأستاذي ’عبد اللطيف‘ مدرس الرياضيات في الصف الأول الإعدادي، وأستاذي ’رضا‘ مدرس الرياضيات في الصف الثالث الثانوي، وأستاذي ’جرانت‘—رحمه الله—مدرس الفيزياء في الصف الثالث الثانوي، وأستاذي ’يحيى‘ مدرس اللغة العربية في المرحلة الثانوية، وأستاذي ’إدوار‘ مدرس اللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية، والأستاذ الدكتور ’محمد عبد اللطيف‘ بكلية الطب بجامعة القاهرة، ولم يعلمني كل هؤلاء الرياضيات، وإنما كان لبعضهم أكبر الأثر في تشكيل طريقة تفكيري وتشجيعي. لهم أدين بالكثير، وعرفاني بفضلهم أقل ما يمكنني فعله.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق