بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 14 أبريل 2017

الإسلام يؤذينا: من يمثل الإسلام؟


المقال السابق: كيف ارتدت مصر النقاب

هذا السؤال يتردد كثيراً، وخصوصاً في العقدين السابقين وبعد انتشار العمليات الإرهابية ذات الدافع الإسلامي، ولعل أشهرها وما أظهر للعالم أن الإسلام فكر إرهابي كان الهجوم على برجي مبنى التجارة العالمي عام ٢٠٠١ وما تلاه من تغيرات على المستوى الدولي لم تترك إنساناً في العالم إلا وكان لها عليه أثر سلبي بشكل أو بآخر، فتغيرت سياسات الدول ونظم تأمين المطارات وصار التنقل من مكان لآخر في العالم أصعب من ذي قبل، واكتسب الفكر الجهادي الإسلامي ثقة في نفسه كما استطاع أن يجتذب الحالمين بعودة مجد الإسلام وعزته متمثلاً في الخلافة.

وسرعان ما تحول العداء بين النظام العراقي آنذاك بقيادة صدام حسين وبين الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب معلنة غزت فيها الولايات المتحدة العراق عام ٢٠٠٣ بغرض إسقاط نظام صدام حسين وتدمير أسلحة الدمار الشامل التي زعمت أن النظام ينتجها، وبدعوى ’تأسيس نظام ديمقراطي‘ في العراق، وبالفعل سقط النظام وسادت حالة من الفوضى في بلد يحتوي على أعراق وأديان واتجاهات فكرية مختلفة بعضها يتناحر مع البعض الآخر، وكان من ضمن هذه الطوائف فرع تنظيم القاعدة في العراق الذي كان يقوده آنذاك أبو مصعب الزرقاوي الأردني الجنسية، وبعد مقتل الزرقاوي عام ٢٠٠٦ تحول فرع القاعدة في العراق إلى ما نعرفه الآن باسم داعش أو الدولة الإسلامية في العراق والشام. وفي أواخر ٢٠١٠ وأوائل ٢٠١١ ومع بداية الثورات في مختلف الدول العربية، تمكنت داعش من السيطرة على جزء من العراق وجزء من سوريا أيضاً، كما بايعها بعض الجماعات الإرهابية الأخرى مثل جماعة بوكو حرام النيجيرية، وتحاول داعش السيطرة على شبه جزيرة سيناء المصرية وهي في صدام مستمر مع الجيش المصري هناك، كما أعلنت عن مسؤوليتها عن عدد كبير من العمليات الإرهابية في مختلف أرجاء العالم، وتمكنت من اجتذاب وتجنيد الكثيرين من حديثي الإسلام من مختلف البلدان.

وعلى تعدد واختلاف المناهج الإسلامية الحالية إلا أنها يجمعها عامل مشترك هو التسليم بكتاب الله وسنة رسوله، وهذه هي المشكلة الرئيسية. البعض من هذه التيارات الفكرية يرى أن استخدام العنف واجب وأن الإسلام حالياً في حرب مع أعدائه، وهؤلاء مثل القاعدة وداعش وكل التيارات الجهادية، والبعض الآخر يرى في التقية الحل الأمثل حتى يسيطر الإسلام على العالم، وهؤلاء مثل الإخوان المسلمين (متمثلاً في فكر التمكين) وفروعهم المعلنة وغير المعلنة في دول الغرب، وألمس هذا بشكل مباشر بحكم إقامتي في كندا، والبعض يرى أن الجهاد واجب لكن الوقت غير مناسب لذلك، وهؤلاء مثل التيار السلفي العلمي الذي لا يدعم العنف كوسيلة للسيطرة على المجتمع أو السلطة لكنه ينشر الفكر على الرغم من ذلك، والبعض لا يأخذ من الإسلام سوى العبادات والفروض وبعض الجوانب الإنسانية، وهؤلاء مثل أغلبية المسلمين في أرجاء العالم، إلا أن نسبة لا بأس بها منهم يحملون داخلهم ثمة ضغينة لغير المسلم، أو على الأقل عدم قدرة على التعايش بمحبة، وربما يرجع هذا إلى عقيدة الولاء والبراء التي إن لم تغرس في الأذهان بشكل صريح فهي تتسلل بشكل أو بآخر، وتظهر في الأغلب على شكل العدوانية السلبية (passive aggressiveness)، والبعض الآخر يعيشون حالة من إنكار أن الدين يحتوي على مثل تلك الأفكار، ويساعدهم على ذلك قلة علمهم بالدين وعدم اكتراثهم بالبحث، ولا أدري إن كان يصح تصنيف هؤلاء على أنهم مسلمون وهم لا يؤمنون بكل ما في الإسلام.

وفي القرن التاسع عشر ظهر في الهند على يد ’أحمد خان‘ ثم ’عبد الله جكراولي‘ منهج جديد ينكر الحديث والسنة ويكتفي بالقرآن مرجعاً، وكان لا بد من إعادة نظر في كل المنظومة الفكرية الإسلامية التي تعتمد بشكل كثيف على الحديث والسنة، ويسمى أتباع هذا المنهج الآن باسم القرآنيين، ومن أبرز المصريين القرآنيين الدكتور أحمد صبحي منصور، والقرآنيون في العموم ينبذون العنف ويعتبرون أن نصوص القتال كانت موجودة لغرض معين انتهى وقته. وكما ظهرت في الهند فرقة القرآنيين، ظهرت أيضاً الأحمدية القاديانية، وهي بدعة مبنية على الإسلام تعتبر أن ميرزا غلام أحمد المولود في القرن التاسع عشر رسول وأنه هو المهدي المنتظر، ولا يختلف هذا التيار الفكري مع الإسلام التقليدي في نقطة جهاد الدفع (أي الدفاع عند التعرض للهجوم) لكنه ربما يختلف معه في نقطة جهاد الطلب (أي غزو البلدان الأخرى) التي لا نسمع عنها في خطابهم الديني، وتركز الأحمدية تركيزاً شديداً على مهاجمة العقيدة المسيحية مستخدمة في الغالبية الساحقة من الحالات فهماً مغلوطاً للنصوص المسيحية يدعم فكرتهم.

أما في بلاد الشرق الأوسط ذات الأغلبية السنية، ونتيجة للفظائع التي رآها المسلمون ترتكب باسم الإسلام وتحت مظلة من نصوصه، فإن بعض المسلمين ممن يعتبرون أنفسهم مجددين نحوا منحًى مختلفاً تماماً هو مزيج من منهج القرآنيين ومنهج أهل السنة والجماعة والمنهج البحثي العلمي والمنظور الحداثي للدولة وحقوق الإنسان، فكانت النتيجة مسخ فكري لا معنى له ويسهل القضاء عليه بالقليل من المجهود والتفكير، اللهم إلا إذا كان المتلقي يريد بشدة أن يقتنع بهذا الفكر، ففي هذه الحالة لن يرى المشكلات الموجودة فيه. مثل هؤلاء المجددين يقومون بانتقاء ما يتناسب مع العصر والعلم والمنطق من الدين ويرفضون ما يتعارض معه، وفي أغلب الأحوال لا يكون هناك دليل على قبولهم أو رفضهم سوى قناعتهم الشخصية بأن الله لا يمكن أن يصدر عنه سوى الخير والحق والجمال، وبالتالي فمنظورهم للدين منظور منحاز لا يتفق مع منهجه الذي استمر عليه لمئات السنين، وكثيراً ما تجدهم يصطدمون بنقاط تناقض في أفكارهم نتيجة محاولات التجميل هذه، فيلجأون إلى ليّ أعناق النصوص وتحميل الكلام ما لا يحتمل من معانٍ لجعل الأفكار شبه متسقة. ما يهمني هنا هو أنهم مسالمون جداً، والله أعلم بالنوايا، وتخوفي الوحيد من هذا الفكر العشوائي فيما يظنونه إصلاحاً للدين وتطويراً له أن المنظومة الفكرية الناتجة عنه ستكون هشة سهلة الكسر، وبالتالي فإنه لا يمثل إلا تشتيتاً عن المشكلة الحقيقية وهي الإسلام ذاته.

وفي كل مرة تحدث عملية إرهابية تحت اسم الإسلام يخرج علينا الكثيرون من المسلمين في وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في الشوارع يحاولون جاهدين إقناعنا أن تلك الأفعال ليست من الإسلام في شيء، ولا أظنهم يحاولون إقناعنا بقدر ما يحاولون إقناع أنفسهم، وفي أغلب الأحوال يكونون متأثرين بشكل وقتي بالحادث وبشاعته ويكونون على غير علم بالمنظومة الفكرية الدينية بشكل كاف. الإسلام في رأيي—وأظنه كذلك في رأي أي عاقل منصف—هو إجمالي ما وصل إلينا من القدم من قرآن وحديث وسنة وفقه، وفي هذا المجمل وداخل هذا الإطار فقط أرى الإسلام متسقاً مع ذاته، ويحدث التناقض عندما ننظر إلى الإسلام خارج هذا الإطار، فنضعه مقابل المفاهيم الحديثة للدولة وحقوق الإنسان (فيخرج لنا المجددين محاولين التوفيق)، أو أمام العلم الحديث (فيخرج لنا أهل الإعجاز العلمي) أو أمام قدرة وسائل الاتصال الحديثة على نشر الأخبار في وقت قياسي (فيخرج لنا أهل التقية)، وبشكل عام فإن مواجهة أفكار إسلامية كثيرة مع مفاهيم حداثية يؤدي إلى صراع نفسي تختلف نتائجه من شخص لآخر، وقد يكون حله عند البعض مجرد الإنكار.

لكن كل ما ينتج عن الصراع الذي يوجده الإسلام عند مقابلته مع الأفكار الحداثية في نفوس المسلمين لا ينفي وجود نصوص ثابتة في الإسلام تبث الكراهية وتحرض على العنف ضد الآخر، وتسعى إلى فرض سيطرة الإسلام على العالم بالقوة، وترى غير المسلم كائناً أدنى، وفي ذلك فالإسلام فكر فاشيّ (fascist) بالدرجة الأولى. وجود مثل هذه النصوص أمر لا يمكن إنكاره ولا يمكن تغييره، ففي زمننا هذا لن يتمكن كائن من كان أن يحرق الكتب فيعدم محتواها إلى الأبد، فالمحتوى الآن صار منتشراً وسهل الحمل والنقل والطبع والتوزيع، ويمكن لقطعة إلكترونية في حجم عقلة الإصبع أن تحمل مكتبة كاملة. تكمن المشكلة في أن كلمة ’مسلم‘ وكلمة ’إسلام‘ تشملان كل الطوائف السابقة بدون تمييز، فكيف يمكن لغير المسلم التمييز بين من يعبر عن الإسلام ومن لا يعبر عنه؟

يجد غير المسلم نفسه أمام مجموعات متباينة من الناس تتراوح اتجاهاتها الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وكل منهم يسمي نفسه مسلماً، وكل منهم يسمي دينه إسلاماً، وعلى غير المسلم أن يحاول أن يستخدم حاسته السادسة لمعرفة من لا يؤمَن جانبه ومن هو مستعد للتعايش السلمي ومقتنع بالمساواة التامة بين المواطنين! الحقيقة يا سادة أن هذه الهراء لن يجدي أبداً، والحقيقة أن الإنسان يحاول أن يستخدم التنميط دائماً للابتعاد عن مصادر الخطر، فعلى سبيل المثال نعلم أن بعض الثعابين ليست سامة، لكن هل تظن أن إنساناً لا خبرة له بالثعابين سوف لا يخاف من ثعبان على أمل أنه ليس ساماً؟! الواقع أن الثعبان يوجد في النفس ذعراً لأن تبعات عدم الحذر من الثعبان السام أخطر بما لا يقاس من تبعات الابتعاد عن الثعبان غير السام. العقل البشري يوجِد نمطاً يجمع بين الخطر وما يرتبط بالخطر لكي يتمكن من أن يجتنب الخطر باجتناب ما يرتبط بالخطر بدون إضاعة الكثير من الوقت في التمييز بين ما يشكل خطورة حقيقية وبين ما يشبهه لكنه لا يشكل أي خطورة.

طالما أننا لا نستطيع بسهولة التمييز بين مختلف الفرق الإسلامية، فإن الملجأ الوحيد المتبقي لنا هو اعتبار أن كل ما يرتبط بالإسلام هو خطر إلى أن يثبت العكس، ولذلك لا ألوم بشدة من يخاف من المسلمين في بلاد الغرب، لكنني أحاول أن أوضح لهم أن أغلب المسلمين لا خوف منهم على الإطلاق، على الأقل من جهة العنف، وأن الخوف من الإسلام كفكر عنيف ليس مكافئاً للخوف ممن يصنف نفسه مسلماً، لكن القدرة على الإقناع بمثل هذا تنحدر تدريجياً مع كل عملية إرهابية مدفوعة بفكر إسلامي، فغريزة البقاء أقوى من المنطق.

أتريدون أن تنأوا بأنفسكم عن الشبهات؟ أوجدوا فروقاً واضحة في التسمية بين الإسلام المسالم والإسلام الجهادي، وإن كنت أرى أن هذا ليس حلاً لمشكلة وجود العنف في جذر الإسلام كفكر، لكنه يكفي على الأقل للفصل بين الشخص الذي يُخشى منه والذي لا يُخشى منه، وعندئذ لن تضطروا أن تقولوا إن فلاناً هذا لا يمثل الإسلام لكي تدرؤوا عنكم الشبهات، لأن التسمية ستختلف وستجعل من التفرقة أمراً سهلاً نسبياً، على الأقل بالنسبة للوضع الحالي. لكن الغالبية الساحقة من المسلمين قد لا يوافقون على هذا الرأي، لأن الإسلام يلغي الهوية الفردية للمسلم ويجعل الدين الإسلامي هويته الرئيسية وربما الوحيدة، لذا فإن تغيير الاسم يشعر المسلم بفقدان الهوية. لكن هذا حديث آخر لوقت آخر.

وللحديث بقية...


المقال التالي: الهوية الإسلامية


نسب المصنفات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق