هذا المقال هو أحد مجموعة من المقالات عن بعض المفاهيم في المسيحية. ستجد في هذا الرابط قائمة بالمقالات المتاحة.
أعتذر عن طول المقال، ولكن معظم المكتوب هو استشهادات من الكتاب المقدس لتدعيم الفكرة، ومحتوى المقال بدون هذه الاستشهادات ليس بالكثير على ما أعتقد. حاولت قدر الإمكان أن أستخدم روابط خارجية لما قد يفيد القارئ عند الرجوع إليه، وذلك أيضاً تدعيماً لفكرة المقال.
يؤمن المسيحيون بأن الكتاب المقدس كله بعهديه القديم والجديد موحًى به الله كما قال بولس الرسول:
«كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ» (٢ تي ٣ : ١٦)
ولكن مفهوم الوحي يختلف عند المسيحيين عن غيرهم، ولنبدأ بتوضيح المفاهيم الخاطئة للوحي في المسيحية، ثم نوضح المفهوم الصحيح للوحي في المسيحية.
-
الوحي في المسيحية ليس مجرد إملاءً إلهياً حرفياً، بمعنى أن كلمات الكتاب المقدس ليست كلمات منزلة من الله إلى رجاله القديسين ينقلونها كما هي نصاً من فم الله مباشرة، أوبمعنًى أدق، ليس كل الكتاب المقدس كلمات الله نصاً.
الله لا يريد أن يمحو الطابع البشري في الوحي، لأن الله خلق الإنسان مكرماً،«عَلَى صُورَةِ ٱللهِ خَلَقَهُ» (تك ١ : ٢٧)
، بل من يريد أن يسيطر على الإنسان ويلغي شخصيته تماماً هو الشيطان، كما نرى عندما جاء يسوع إلى كورة الجدريين«فاسْتَقْبَلَهُ مِنَ الْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، كَانَ مَسْكَنُهُ فِي الْقُبُورِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلَا بِسَلَاسِلَ، لِأَنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيرًا بِقُيُودٍ وَسَلَاسِلَ فَقَطَّعَ السَّلَاسِلَ وَكَسَّرَ الْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُذَلِّلَهُ. وَكَانَ دَائِمًا لَيْلًا وَنَهَارًا فِي الْجِبَالِ وَفِي الْقُبُورِ، يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِٱلْحِجَارَةِ.» (مر ٥ : ٢ - ٥)
ويقول الكتاب المقدس أنه«كَانَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا» (لو ٨ : ٢٧)
فما أن شفاه الرب يسوع حتى صار«لَابِسًا وَعَاقِلًا، جَالِسًا عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ» (لو ٨ : ٣٥)
ولهذا نجد أسلوب الكتابة يختلف بحسب شخصية وثقافة الكاتب، فنجد داود المحب للموسيقى يكتب المزامير، ونجد في مزاميره الكثير من التضرع والانسحاق أمام الله لأن في عهده كملك كانت هناك حروب كثيرة، أما سليمان ابنه فقد وُلِد ابن ملك وقال عنه الكتاب أنه«تَعَظَّمَ … عَلَى كُلِّ مُلُوكِ الْأَرْضِ فِي الْغِنَى وَالْحِكْمَةِ» (٢ أخ ٩ : ٢٢)
فنجده قد كتب حكمته في سفري الأمثال والجامعة، ونجد بولس الرسول المتعلم يكتب بأسلوب فلسفي، ونجد بطرس الرسول صياد السمك يكتب ببساطة. - الوحي في المسيحية لا يرتبط فقط بمواقف معينة تُنزَل فيها آيات من الله لحل مشكلات محددة تواجه الأنبياء، ولكنه رسالة من الله إلى بني البشر تحكي قصة الخلاص والفداء على الصليب منذ بداية تأسيس العالم وخلق البشرية وحتى موت السيد المسيح على الصليب وقيامته والتبشير به وتأسيس الكنيسة الأولى، ويعطينا لمحة عما هو عتيد أن يكون في آخر الأيام في سفر الرؤيا آخر أسفار الكتاب المقدس. ولهذا فلا توجد في المسيحية أسباب ’لنزول‘ الآيات، وكما قلنا سابقاً مفهوم التنزيل غير موجود في المسيحية، فالله العالم بكل شيء الذي لا يحد معرفته زمان أو مكان يرسل كلمته على لسان أنبيائه مشيراً إلى فداء الصليب من قبل حدوثه بخمسة عشر أو ستة عشر قرناً من الزمان.
-
الوحي في المسيحية ليس مجرد أفكار يضعها الله في عقول رجاله القديسين ويترك لهم حرية التعبير عنها بأساليبهم الشخصية دون تدخل من الله، فلا إنسان معصوم من الخطأ، ولا علم بشري إلا ناقص، والله لا يمكن أن يترك رسالته إلى البشر يشوبها الخطأ أو يعيبها الجهل.
نلاحظ أن الله كان يكلم موسى النبي مباشرة، ونجد عبارة«كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى»
تتكرر مرات كثيرة في الكتاب المقدس، ونقرأ«وَيُكَلِّمُ الرَّبُّ مُوسَى وَجْهًا لِوَجْهٍ، كَمَا يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ» (خر ٣٣ : ١١)
ونجد أن الله أمر بتدوين كلماته في بعض الأحيان نصاً كما قالها، فمثلاً نجد«وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: ”اكْتُبْ لِنَفْسِكَ هذِهِ الْكَلِمَاتِ، لأَنَّنِي بِحَسَبِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ إِسْرَائِيلَ“» (خر ٣٤ : ٢٧)
ونجده يقول لإرميا النبي«هكَذَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: ”اكْتُبْ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَيْكَ فِي سِفْرٍ“» (إر ٣٠ : ٢).
وفي مواضع أخرى نجد أن الله يأمر رجاله القديسين بالكتابة عن أحداث عاصروها، مثل:«فَهَزَمَ يَشُوعُ عَمَالِيقَ وَقَوْمَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ. فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: اكْتُبْ هَذَا تَذْكَارًا فِي الْكِتَابِ، وَضَعْهُ فِي مَسَامِعِ يَشُوعَ. فَإِنِّي سَوْفَ أَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ» (خر ١٧ : ١٤)
ونجدهم أيضاً يوثقون الأحداث التي عاصروها بدون أمر مباشر من الله«وَكَتَبَ يَشُوعُ هذَا الْكَلاَمَ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ اللهِ» (يش ٢٤ : ٢٦).
وفي جميع الأحوال، فإن ما كتبه رجال الله القديسون هو شهادة حق عما رأوه وعاصروه وكشف الله لهم عنه في الرؤى، فنجد القديس لوقا البشير يفتتح إنجيله بقوله:«إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الْأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ، رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلَامِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ» (لو ١ : ١ - ٤)
ونجد يوحنا البشير يختتم إنجيله قائلاً:«هَذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهَذَا وَكَتَبَ هَذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ» (يو ٢١ : ٢٤)
ونجد بولس الرسول يقاوم من يحاول أن يغير بشارة رسل المسيح قائلاً:«إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هَكَذَا سَرِيعًا عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيلٍ آخَرَ! لَيْسَ هُوَ آخَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ. وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلَاكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا أَقُولُ الْآنَ أَيْضًا: ”إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا!“» (غل ١ : ٦ - ٩).
ولعل من أبلغ آيات الكتاب المقدس التي تعبر عن مفهوم الوحي قول الرب لإرميا النبي:«فَقَالَ الرَّبُّ لِي: ”لَا تَقُلْ إِنِّي وَلَدٌ، لِأَنَّكَ إِلَى كُلِّ مَنْ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِ تَذْهَبُ وَتَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. لَا تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ، لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ لِأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ“. وَمَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي، وَقَالَ الرَّبُّ لِي: ”هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلَامِي فِي فَمِكَ. اُنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُكَ هَذَا الْيَوْمَ عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ“.» (إر ١ : ٧ – ١٠)
فالله يضع كلماته في فم أنبيائه ورسله، ولكنه لا يمليهم حرفياً ما يقولونه أو يكتبونه فيطغى كليةً على شخصياتهم، ويقول أيضاً داود النبي«وَحْيُ دَاوُدَ بْنِ يَسَّى، وَوَحْيُ الرَّجُلِ الْقَائِمِ فِي ٱلْعُلَا، مَسِيحِ إِلَهِ يَعْقُوبَ، وَمُرَنِّمِ إِسْرَائِيلَ الْحُلْوِ: رُوحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي» (٢ صم ٢٣ : ١ - ٢)
:ويكتب إشعياء النبي عن نفس المفهوم«وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ، وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ لِغَرْسِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ ٱلْأَرْضِ، وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي» (إش ٥١ : ١٦)
«قَالَ ٱلرَّبُّ: ”رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلَامِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لَا يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلَا مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، وَلَا مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ،“ قَالَ الرَّبُّ، ”مِنَ الْآنَ وَإِلَى الْأَبَدِ“.» (إش ٥٩ : ٢١) -
الوحي في المسيحية يشمل كل الكتاب المقدس وليس أجزاءً منه، فحتى حينما كان رجال الله القديسون يكتبون أشياء تخص زمانهم فقط أو شخصهم فقط، كان يوحى إليهم أيضاً لئلا يخطئوا، فنجد بولس الرسول مثلاً يطلب من تيموثاوس بعض مطالب شخصية:
«بَادِرْ أَنْ تَجِيءَ إِلَيَّ سَرِيعًا، لِأَنَّ دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ الْعَالَمَ الْحَاضِرَ وَذَهَبَ إِلَى تَسَالُونِيكِي، وَكِرِيسْكِيسَ إِلَى غَلَاطِيَّةَ، وَتِيطُسَ إِلَى دَلْمَاطِيَّةَ. لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لِأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ. أَمَّا تِيخِيكُسُ فَقَدْ أَرْسَلْتُهُ إِلَى أَفَسُسَ. اَلرِّدَاءَ الَّذِي تَرَكْتُهُ فِي تَرُواسَ عِنْدَ كَارْبُسَ، أَحْضِرْهُ مَتَى جِئْتَ، وَالْكُتُبَ أَيْضًا وَلَا سِيَّمَا الرُّقُوقَ» (٢ تي ٤ : ٩ - ١٣)
ونجده يطلب من أجل أنسيمس:«أَطْلُبُ إِلَيْكَ لِأَجْلِ ابْنِي أُنِسِيمُسَ، الَّذِي وَلَدْتُهُ فِي قُيُودِي، الَّذِي رَدَدْتُهُ. فَاقْبَلْهُ، الَّذِي هُوَ أَحْشَائِي. الَّذِي كُنْتُ أَشَاءُ أَنْ أُمْسِكَهُ عِنْدِي لِكَيْ يَخْدِمَنِي عِوَضًا عَنْكَ فِي قُيُودِ الْإِنْجِيلِ، وَلَكِنْ بِدُونِ رَأْيِكَ لَمْ أُرِدْ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا، لِكَيْ لَا يَكُونَ خَيْرُكَ كَأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاضْطِرَارِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ. لِأَنَّهُ رُبَّمَا لِأَجْلِ هَذَا افْتَرَقَ عَنْكَ إِلَى سَاعَةٍ، لِكَيْ يَكُونَ لَكَ إِلَى الْأَبَدِ، لَا كَعَبْدٍ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدٍ: أَخًا مَحْبُوبًا، وَلَا سِيَّمَا إِلَيَّ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِلَيْكَ فِي الْجَسَدِ وَالرَّبِّ جَمِيعًا! فَإِنْ كُنْتَ تَحْسِبُنِي شَرِيكًا، فَاقْبَلْهُ نَظِيرِي. ثُمَّ إِنْ كَانَ قَدْ ظَلَمَكَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَٱحْسِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ.» (فل ١ : ١٠ ، ١٢ - ١٨)
ونجده ينصح تيموثاوس حسب علم زمانه إذ علم أنه يعاني من معدته«لَا تَكُنْ فِي مَا بَعْدُ شَرَّابَ مَاءٍ، بَلِ اسْتَعْمِلْ خَمْرًا قَلِيلًا مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ وَأَسْقَامِكَ الْكَثِيرَةِ» (١ تي ٥ : ٢٣).
وهذه الاقتباسات السابقة توضح لنا أيضاً كيف أن الطابع الشخصي لكتاب الأسفار المقدسة كان يظهر في كتاباتهم كما قلنا من قبل. -
كُتّاب الوحي في المسيحية ليسوا معصومين من الخطأ في حياتهم إلا عند كتابة الوحي وفقط فيما يخص كتابة الوحي، ويظهر هذا بوضوح عدة مرات في الكتاب المقدس الذي يبين لنا كيف أن منهم من أخطأ ثم تاب فعاقبه الرب أو لم يعاقبه، فنرى كيف أن موسى النبي كليم الله لم ينفذ أمر الله له فعاقبه الله بحرمانه من الدخول إلى أرض الموعد:
«وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: ”خُذِ الْعَصَا وَاجْمَعِ الْجَمَاعَةَ أَنْتَ وَهَارُونُ أَخُوكَ، وَكَلِّمَا الصَّخْرَةَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ أَنْ تُعْطِيَ مَاءَهَا، فَتُخْرِجُ لَهُمْ مَاءً مِنَ الصَّخْرَةِ وَتَسْقِي الْجَمَاعَةَ وَمَوَاشِيَهُمْ“. فَأَخَذَ مُوسَى الْعَصَا مِنْ أَمَامِ الرَّبِّ كَمَا أَمَرَهُ، وَجَمَعَ مُوسَى وَهَارُونُ الْجُمْهُورَ أَمَامَ الصَّخْرَةِ، فَقَالَ لَهُمُ: ”اسْمَعُوا أَيُّهَا الْمَرَدَةُ، أَمِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ نُخْرِجُ لَكُمْ مَاءً؟“. وَرَفَعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ، فَخَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ، فَشَرِبَتِ الْجَمَاعَةُ وَمَوَاشِيهَا. فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: ”مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لَمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِذلِكَ لاَ تُدْخِلاَنِ هذِهِ الْجَمَاعَةَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا“» (عد ٢٠ : ٧ - ١٢)
ونرى كيف أن داود النبي زنا بامرأة أوريا الحثي (٢ صم : ١١) وكيف أن الله أرسل له ناثان لتوبيخه فتاب وعاقبه الله بخطئه (٢ صم : ١٢)، ونرى كيف أن سليمان أحب نساء أمميات كثيرات فزنا بهن في شيخوخته وأملن قلبه فعاقبه الله (١ مل ١١)، ونرى كيف عصى يونان الله عندما أمره بالذهاب لأهل مدينة نينوى وكيف أن الله أدبه (يون ١)، وكيف أن إبراهيم أب الآباء خاف فكذب على أبيمالك وقال أن سارة أخته وليست امرأته (تك ٢٠). الكتاب المقدس يعلمنا أن أنبياء الله ورجاله القديسين بشر يخطئون مثل كل البشر، ويقول بولس الرسول مردداً قول داود النبي في المزمور«الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ.» (رو ٣ : ١٢)
ثم يردف«إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ» (رو ٣ : ٢٣)
. وكما نرى توبيخ ناثان لداود النبي نرى أيضاً في العهد الجديد توبيخاً من بولس الرسول لبطرس الرسول:«وَلَكِنْ لَمَّا أَتَى بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لِأَنَّهُ كَانَ مَلُومًا. لِأَنَّهُ قَبْلَمَا أَتَى قَوْمٌ مِنْ عِنْدِ يَعْقُوبَ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ الْأُمَمِ، وَلَكِنْ لَمَّا أَتَوْا كَانَ يُؤَخِّرُ وَيُفْرِزُ نَفْسَهُ، خَائِفًا مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ. وَرَاءَى مَعَهُ بَاقِي الْيَهُودِ أَيْضًا، حَتَّى إِنَّ بَرْنَابَا أَيْضًا انْقَادَ إِلَى رِيَائِهِمْ! لَكِنْ لَمَّا رَأَيْتُ أَنَّهُمْ لَا يَسْلُكُونَ بِاسْتِقَامَةٍ حَسَبَ حَقِّ الْإِنْجِيلِ، قُلْتُ لِبُطْرُسَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ: ”إِنْ كُنْتَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ تَعِيشُ أُمَمِيًّا لَا يَهُودِيًّا، فَلِمَاذَا تُلْزِمُ الْأُمَمَ أَنْ يَتَهَوَّدُوا؟“» (غل ٢ : ١١ - ١٤).
-
الوحي في المسيحية ليس هدفه سرداً تفصيلياً للأحداث التاريخية، بل يذكر كُتّاب الوحي في الكتاب المقدس ما ألهمهم روح الله القدوس أن يكتبوه فيه لتوصيل رسالة الله إلى البشر. وعلى الرغم من عدم اعتبار الكتاب المقدس كتاب تاريخ (بمعنى أنه لا يُعْنَى به أن تقديم سرد مفصل للتاريخ)، إلا أن محتوى الكتاب المقدس التاريخي لا يجوز أن يكون على خطأ، إذ أنه وحي الله المعصوم من الخطأ، فإن لم تتوافق الحقائق والاكتشافات التاريخية مع ما جاء في الكتاب المقدس يفقد مصداقيته ككتاب موحى به من الله. والواقع أن الكثير من الكتب والمؤلفات صدرت عن توافق محتوى الكتاب المقدس مع الاكتشافات التاريخية و ما ذكره المؤرخون.
ويقول يوحنا الرسول الإنجيلي في بشارته«وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ» (يو ٢٠ : ٣٠)
ويقول أيضاً«وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ.» (يو ٢١ : ٢٥)
وذلك ليعرف القارئ أن ما كُتِب في بشارته ليس حصراً لمعجزات السيد المسيح وإنما أمثلة من تاريخ تلك الفترة. -
الكتاب المقدس ليس كتاباً علمياً. وكما أن الكتاب المقدس ليس كتاب تاريخ ولكن ينبغي ألا تتعارض الأحداث التاريخية المذكورة فيه مع الاكتشافات التاريخية وتوثيق المؤرخين، فهو كذلك لا يهدف إلى تعليم البشر علماً أرضياً، ولا يصح اتخاذه كمرجع علمي بأي شكل من الأشكال، ولكن ما ورد فيه ينبغي أيضاً ألا يتعارض مع العلم الحديث، وأنا شخصياً أرفض فكرة ’الإعجاز العلمي في الكتاب المقدس‘، فالله لم يوحِ للأنبياء بعلم دنيوي، ولو كان الأمر كذلك لكان اليهود المؤتمنون على الوحي الكتابي أعظم أهل الأرض علماً، ولكننا نرى في الكتاب المقدس بعض آيات تجعلنا نتوقف أمامها للتفكير، وتدلنا بشكل أو بآخر على أن الكتاب المقدس هو وحي الله المعصوم من الخطأ، وسأكتفي بسرد مثل واضح لهذه الفكرة، وهناك الكثير من الكتب التي تتكلم عن اتفاق ما جاء في الكتاب المقدس مع العلم.
فكرة كروية الأرض نُسِبت للإغريق تاريخياً، وأقدم ذكر لها يُنسَب للفيلسوف وعالم الرياضيات فيثاغورث (حوالي ٥٧٠ ق.م. إلى حوالي ٤٩٥ ق.م.)، والبعض ينسبه للفيلسوف والشاعر بارمنيدس (حوالي ٥١٥ ق.م. وتاريخ الوفاة غير مؤكد) أو الشاعر هسيود (ولد ٧٥٠ ق.م. على أقصى تقدير). نجد في سفر أيوب« يَمُدُّ الشَّمَالَ عَلَى الْخَلاَءِ، وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ.» (أي ٢٦ : ٧)
، وقد كُتِب سفر أيوب فيما بين القرن السادس والرابع قبل الميلاد، وفي هذا الزمان، وحتى مع بداية ظهور فكرة كروية الأرض، إلا أن الحضارات القديمة كانت تعتقد بوجود ما يحمل الأرض، وأشهر مثال على ذلك هو إله الإغريق أطلس الذي كان يحمل الأرض على كتفيه، وهناك أيضاً الكائن الخرافي بهموت الذي صُوِّر على شكل سمكة ضخمة تحمل الأرض بطبقانها السبع، ولكن سفر أيوب يحدثنا عن أرض معلقة على لا شيء، أيضاً بخلاف كل معتقدات ذلك الزمان.
ما هو الوحي إذاً في المسيحية؟
يقول بولس الرسول «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ» (٢ تي ٣ : ١٦)
وبالرجوع للنص اليوناني «πασα γραφη θεοπνευστος και ωφελιμος προς διδασκαλιαν προς ελεγχον προς επανορθωσιν προς παιδειαν την εν δικαιοσυνη»
الذي كتب به معظم العهد الجديد نجد أن كلمة موحى مترجمة من الكلمة اليونانية θεοπνευστος وتنطق ثيونيفستوس وهي مكونة من مقطعين، أولهما من كلمة θεός وتنطق ثيوس وتعني الله والثاني من كلمة πνευστιώ بمعنى يتنفس بشدة أو يلهث وتنطق نفستيو ومنها أيضاً πνεῦμα بمعنى روح أو نفخة الحياة وتنطق نيفما وأيضاً πνεύμων بمعنى رئة وتنطق نيفمون وأيضاً πνευστά بمعنى نفخة أو رياح وتنطق نيفستا، وكل هذه الكلمات من أصل يعني الهواء أو النَفَس أو النفخة، والترجمة اللاتينية لهذه الكلمة هي divinitus inspirata والكلمة الأولى منها من أصل divus بمعنى إله والثانية من أصل inspira بمعنى يتنفس، والخلاصة أن المقصود أن الكتاب المقدس هو نفخة الله أو روح الله.
وكذلك يقول بطرس الرسول في رسالته الثانية «عَالِمِينَ هَذَا أَوَّلًا: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لِأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.» (٢ بط ١ : ٢٠ - ٢١)
وبالرجوع
للأصل اليوناني «τουτο πρωτον γινωσκοντες οτι πασα προφητεια γραφης ιδιας επιλυσεως ου γινεται ου γαρ θεληματι ανθρωπου ηνεχθη ποτε προφητεια αλλ υπο πνευματος αγιου φερομενοι ελαλησαν οι αγιοι θεου ανθρωποι»
نجد أن كلمة مسوقين مترجمة من الكلمة اليونانية φερομενοι وتنطق فيرومينوي من أصل
φέρω وتنطق فيرو بمعنى يحمل أو يُحضِر، فالله يريد أن يخبرنا أن روحه القدوس يحمل أناس الله القديسين ليكتبوا الوحي.
وأقرب تشبيه يعبر عن مفهوم الوحي في المسيحية أن نتصور كما لو أن الله سبحانه مؤلف سيمفونية لأوركيسترا مكونة من العديد من الآلات الموسيقية، ولكل العازفين ’نوتة‘ موسيقية بها اللحن الذي سيعزفه، وهؤلاء العازفون هم كُتّاب الوحي، وطريقة تدوينهم للوحي هي صوت آلاتهم الموسيقية، فالمؤلف في هذه الحالة يعطي العازف لحناً محدداً ليعزفه والعازف سيلتزم باللحن الذي أخذه لكي تتناغم آلات الأوركيسترا، ولكن صوت الآلة يختلف من آلة لأخرى، وبالمثل فإن شخصية كاتب الوحي لا تُلغَى عندما يكتب الوحي المقدس، وكما أن الآلات جميعاً تشترك — على اختلاف أصواتها — في إصدار السيمفونية المتناغمة يشترك كُتّاب الوحي جميعاً في كتابة الكتاب المقدس المتناغم المتجانس الذي يتجه كله من سفر التكوين حتى سفر الرؤيا في اتجاه واحد هو خلاص جنس البشر، والمدهش أن هذا التناغم موجود على الرغم من كتابة الوحي على مدار ١٦٠٠ عام.
ويمكن تلخيص ذلك في التعريف الآتي: الوحي في المسيحية هو هيمنة روح الله القدوس على كُتّاب الوحي ليكتبوا كلمات الله في رسالته للبشر، عاصماً إياهم من الخطأ أثناء كتابة الوحي، ويُفهَم الوحي فهماً صحيحاً بالرجوع للغته الأصلية التي كُتِب بها، إذ أن المترجمين ليسوا معصومين من الخطأ بقدرة روح الله القدوس.
ما هي أهمية الالتزام بهذا التعريف للوحي في المسيحية؟
-
الإعلانات والحكمة الموجودات في الكتاب المقدس من عند الله وليست حكمة بشر
يقول بطرس الرسول في رسالته الثانية:«وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلَاصًا، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ، كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلَاكِ أَنْفُسِهِمْ.» (٢ بط ٣ : ١٥ - ١٦)
كما يقول بولس الرسول في رسائله:«لَكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ الْكَامِلِينَ، وَلَكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الدَّهْرِ، وَلَا مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ، الَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرٍّ: الْحِكْمَةِ ٱلْمَكْتُومَةِ، الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ، لِأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ. بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: ”مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ“. فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لِأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ. لِأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الْإِنْسَانِ إِلَّا رُوحُ الْإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هَكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لَا يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلَّا رُوحُ اللهِ. وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الْأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ، الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضًا، لَا بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ، قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ. وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لَا يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا. وَأَمَّا الرُّوحِيُّ فَيَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لَايُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. ”لِأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ فَيُعَلِّمَهُ؟“. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ.» (١ كو ٢ : ٦ - ١٦)
فمن يؤمن بالمسيحية يؤمن ضمناً أن ما كتب في الكتاب المقدس هو وحي الروح القدس وحكمة الله وفهمه الذين أُعطيا لرجاله القديسين ليفهموا عن الله وطبيعته ما لم يكن ممكناً إدراكه بالعقل البشري وحده، ولذلك فإن الفهم الصحيح للمسيحية لا يمكن أن يأتي فقط عن طريق الحكمة الأرضية وفلسفة هذا العالم، ولكن يجب أن يصاحب ذلك صلاة وطلب من الله ليكشف للقارئ بروحه القدوس روحانيات الكتاب المقدس. ونجد مثالاً واضحاً لهذه الفكرة في قصة تلميذي عمواس الذين ظهر لهما السيد المسيح بعد قيامته فعلمهما وفسر لهما كيف أعلن الله لأنبياء العهد القديم عن خطة الخلاص:
«مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلَا انْقِطَاعٍ، لِأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لَا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ.» (١ تس ٢ : ١٣)«فَقَالَ لَهُمَا:”أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟“ ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ. ثُمَّ اقْتَرَبُوا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَيْهَا، وَهُوَ تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ. فَأَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ:”امْكُثْ مَعَنَا، لأَنَّهُ نَحْوُ الْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ“. فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا. فَلَمَّا اتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا، فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا، فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ:”أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟“» (لو ٢٤ : ٢٥ - ٣٢)
كما نقرأ في نفس الإصحاح كيف أن المسيح فتح ذهن تلاميذه عندما ظهر لهم بعد القيامة ليفهموا الكتب:« وَقَالَ لَهُمْ:”هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ“. حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. وَقَالَ لَهُمْ:”هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ“.» (لو ٢٤ : ٤٤ - ٤٧)
كما نقرأ في رسالة بطرس الرسول الأولى أن أنبياء الله في العهد القديم تنبأوا عن فداء السيد المسيح بإعلان من روح الله القدوس:«الْخَلَاصَ الَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِكُمْ، بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَدِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِالْآلَامِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ، وَالْأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا. الَّذِينَ أُعْلِنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَيْسَ لِأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لَنَا كَانُوا يَخْدِمُونَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي أُخْبِرْتُمْ بِهَا أَنْتُمُ الْآنَ، بِوَاسِطَةِ الَّذِينَ بَشَّرُوكُمْ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُرْسَلِ مِنَ السَّمَاءِ. الَّتِي تَشْتَهِي الْمَلَائِكَةُ أَنْ تَطَّلِعَ عَلَيْهَا.» (١ بط ١ : ١٠ - ١٢)
ونقرأ في العهد القديم عدة مرات كيف أن روح الرب كان يقود رجاله القديسين، ويمنحهم الحكمة والقوة والفهم:«فَيَحِلُّ عَلَيْكَ رُوحُ الرَّبِّ فَتَتَنَبَّأُ مَعَهُمْ وَتَتَحَوَّلُ إِلَى رَجُل آخَرَ.» (١ صم ١٠ : ٦)
«رُوحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي.» (٢ صم ٢٣ : ٢)
«وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ.» (إش ١١ : ٢) -
الوحي فيه كلمات الله ووصاياه والطريق إليه
الكتاب المقدس لا يحتوي على أحداث تاريخية ولا فلسفة روحانية فقط، لكنه يحتوي على وصايا الله لبني البشر وطريقهم للخلاص الأبدي بدم يسوع المسيح الفادي، ولذلك فهو مقدس عند المسيحيين، ويقول بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس:«إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْسِبُ نَفْسَهُ نَبِيًّا أَوْ رُوحِيًّا، فَلْيَعْلَمْ مَا أَكْتُبُهُ إِلَيْكُمْ أَنَّهُ وَصَايَا الرَّبِّ.» (١ كو ١٤ : ٣٧)
ومخالفة وصايا الله لا تؤخذ بتهاون، والتعليم والتبشير بما يخالف الكتاب المقدس وعقيدة الكنيسة لا يؤخذ بتهاون أيضاً، ونرى هذا في قول بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية:«وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ ”أَنَاثِيمَا“! كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا أَقُولُ الآنَ أَيْضًا: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ "أَنَاثِيمَا"!» (غل ١ : ٨ - ٩)
وكلمة أناثيما تعني ملعون أو مكرس للشر، واستخدمتها الكنيسة لتعني بها الحرمان من الشركة الكنسية، ونجد أن بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس يفرق بشكل واضح بين وصية الرب التي لا ينبغي تجاوزها، وبين رأيه الشخصي ونصيحته كقديس ورسول:«وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ، فَأُوصِيهِمْ، لَا أَنَا بَلِ الرَّبُّ، أَنْ لَا تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا، وَإِنْ فَارَقَتْهُ، فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا. وَلَا يَتْرُكِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ. وَأَمَّا الْبَاقُونَ، فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا، لَا الرَّبُّ: إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ تَرْتَضِي أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ، فَلَا يَتْرُكْهَا. وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَهُوَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا، فَلَا تَتْرُكْهُ. لِأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ غَيْرَ الْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُلِ. وَإِلَّا فَأَوْلَادُكُمْ نَجِسُونَ، وَأَمَّا الْآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ. وَلَكِنْ إِنْ فَارَقَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، فَلْيُفَارِقْ. لَيْسَ الْأَخُ أَوِ الْأُخْتُ مُسْتَعْبَدًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَلَكِنَّ اللهَ قَدْ دَعَانَا فِي السَّلَامِ. وَأَمَّا الْعَذَارَى، فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ، وَلَكِنَّنِي أُعْطِي رَأْيًا كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا. الْمَرْأَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ مَا دَامَ رَجُلُهَا حَيًّا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا، فَهِيَ حُرَّةٌ لِكَيْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ، فِي الرَّبِّ فَقَطْ. وَلَكِنَّهَا أَكْثَرُ غِبْطَةً إِنْ لَبِثَتْ هَكَذَا، بِحَسَبِ رَأْيِي. وَأَظُنُّ أَنِّي أَنَا أَيْضًا عِنْدِي رُوحُ اللهِ.» (١ كو ٧ : ١٠ - ١٥ ، ٢٥ ، ٣٩ - ٤٠)
ولهذا فكل ما لا يُفهَم صراحة على أنه ليس وصية إنسان أو رأيه أو نقلاً نصياً لقوله فهو وصية الله لبني البشر. ويقول لنا السيد المسيح في إنجيل يوحنا كيف أن الكتاب المقدس هو الذي يشهد للرب، وكيف أنه ينبغي علينا أن نبحث بالتدقيق فيه لنعرف طريق الله:«فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي.» (يو ٥ : ٣٩)
وفي العهد القديم نجد أن الله يحذر بشدة ويعاقب بحزم كل من يدعي النبوة وأنه يتكلم باسم الله:«وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيُّ.» (تث ١٨ : ٢٠)
ولذلك كان اليهود — ولا يزالون — يلتزمون بمنتهى الدقة عند نسخ أسفار التوراة ، وتكتب على مواد معينة وبأحبار معينة، ويلتزم الناسخ بشكل الحرف الأصلي بالضبط وعلامات التشكيل وحتى الزخارف الموجودة في النص الأصلي. وأي خطأ في حرف في غير كلمة "الله" يمكن كشطه من الصفحة، أما عند الخطأ في نسخ كلمة "الله" فتقطع الصفحة كاملة وتُدفن وتُكتب مكانها صفحة جديدة. ولذلك تكلم عنهم بولس الرسول قائلاً:«إِذًا مَا هُوَ فَضْلُ الْيَهُودِيِّ، أَوْ مَا هُوَ نَفْعُ الْخِتَانِ؟ كَثِيرٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ! أَمَّا أَوَّلاً فَلأَنَّهُمُ اسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ اللهِ.» (رو ٣ : ١ - ٢)
ولأن الكتاب المقدس هو كلمات الله، نجد أن السيد المسيح — وهو الله الظاهر في الجسد — يقول بسلطان:«اَلسَّمَاءُ وَالْأَرْضُ تَزُولَانِ وَلَكِنَّ كَلَامِي لَا يَزُولُ.» (مت ٢٤ : ٣٥ ؛ مر ١٣ : ٣١ ؛ لو ٢١ : ٣٣)
تماماً كما قال أشعياء النبي عن كلام الله في العهد القديم«يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ» (إش ٤٠ : ٨)
-
الوحي له مصدر واحد، والعهد الجديد مرتبط بالعهد القديم
كل الكتاب المقدس موحى به من الله، ولهذا فكله مترابط، فالعهد القديم به نبوات تشير إلى العهد الجديد وفداء الصليب، والعهد الجديد به إشارات لتلك النبوات لتوضيحها، ونرى السيد المسيح ذاته في تجربة إبليس قد استخدم كلمات الوحي ليرد بها على مكره:«أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الْأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا. وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: ”إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهَذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا“. فَأَجَابَهُ يَسُوعُ قَائِلًا: ”مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ“. ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ ٱلْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ. وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: ”لَكَ أُعْطِي هَذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ، لِأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ“. فَأَجَابَهُ يَسُوعُ وَقَالَ: ”اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ“. ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: ”إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلُ، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ، وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لَا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ“. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: ”إِنَّهُ قِيلَ: لَا تُجَرِّبِ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ“. وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ.» (لو ٤ : ١ - ١٣) وانظر أيضاً (مت ٤ : ١ - ١١)
ثم نجده يرد على الصدوقيين من اليهود من الكتاب المقدس أيضاً:
«فَأَذَلَّكَ وَأَجَاعَكَ وَأَطْعَمَكَ الْمَنَّ الَّذِي لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ وَلاَ عَرَفَهُ آبَاؤُكَ، لِكَيْ يُعَلِّمَكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الرَّبِّ يَحْيَا الإِنْسَانُ.» (تث ٨ : ٣)
«الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي، وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ، وَبِاسْمِهِ تَحْلِفُ.» (تث ٦ : ١٣)
«إِنْ كُنْتُمْ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ رَاجِعِينَ إِلَى الرَّبِّ، فَانْزِعُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ وَالْعَشْتَارُوثَ مِنْ وَسْطِكُمْ، وَأَعِدُّوا قُلُوبَكُمْ لِلرَّبِّ وَاعْبُدُوهُ وَحْدَهُ، فَيُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ» (١ صم ٧ : ٣)
«لاَ تُجَرِّبُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ كَمَا جَرَّبْتُمُوهُ فِي مَسَّةَ.» (تث ٦ : ١٦)«وَجَاءَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ الصَّدُّوقِيِّينَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ لَيْسَ قِيَامَةٌ، وَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: ”يَا مُعَلِّمُ، كَتَبَ لَنَا مُوسَى: إِنْ مَاتَ لِأَحَدٍ أَخٌ، وَتَرَكَ امْرَأَةً وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلَادًا، أَنْ يَأْخُذَ أَخُوهُ امْرَأَتَهُ، وَيُقِيمَ نَسْلًا لِأَخِيهِ. فَكَانَ سَبْعَةُ إِخْوَةٍ. أَخَذَ الْأَوَّلُ امْرَأَةً وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ نَسْلًا. فَأَخَذَهَا الثَّانِي وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ هُوَ أَيْضًا نَسْلًا. وَهَكَذَا الثَّالِثُ. فَأَخَذَهَا السَّبْعَةُ، وَلَمْ يَتْرُكُوا نَسْلًا. وَآخِرَ الْكُلِّ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ أَيْضًا. فَفِي الْقِيَامَةِ، مَتَى قَامُوا، لِمَنْ مِنْهُمْ تَكُونُ زَوْجَةً؟ لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِلسَّبْعَةِ“. فَأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُمْ: ”أَلَيْسَ لِهَذَا تَضِلُّونَ، إِذْ لَا تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلَا قُوَّةَ اللهِ؟ لِأَنَّهُمْ مَتَى قَامُوا مِنَ الْأَمْوَاتِ لَا يُزَوِّجُونَ وَلَا يُزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلَائِكَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْأَمْوَاتِ إِنَّهُمْ يَقُومُونَ: أَفَمَا قَرَأْتُمْ فِي كِتَابِ مُوسَى، فِي أَمْرِ الْعُلَّيْقَةِ، كَيْفَ كَلَّمَهُ اللهُ قَائِلًا: أَنَا إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ؟ لَيْسَ هُوَ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ. فَأَنْتُمْ إِذًا تَضِلُّونَ كَثِيرًا!“.» (مر ١٢ : ١٨ - ٢٧)
ويرد على الفريسيين منهم من الكتاب المقدس أيضاً:
«ثُمَّ قَالَ: ”أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ“. فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ... وَقَالَ اللهُ أَيْضًا لِمُوسَى: ”هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: يَهْوَهْ إِلهُ آبَائِكُمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. هذَا اسْمِي إِلَى الأَبَدِ وَهذَا ذِكْرِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ“.» (خر ٣ : ٦ ، ١٥)
«وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ قَائِلِينَ لَهُ: ”هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟“. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: ”أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الِاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لَا يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ“.» (مت ١٩ : ٣ - ٦) وانظر أيضاً (مر ١٠ : ٢ - ٩)
ويفحم الفريسيين الناموسيين من الكتاب المقدس:
«فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.» (تك ١ : ٢٧)
«لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.» (تك ٢ : ٢٤)«وَفِيمَا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ قَائلاً:”مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟“ قَالُوا لَهُ:”ابْنُ دَاوُدَ“. قَالَ لَهُمْ: ”فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبًّا؟ قَائِلاً: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِيني حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبًّا، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟“ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَةٍ. وَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَسْأَلَهُ بَتَّةً.» (مت ٢٢ : ٤١ - ٤٦) وانظر أيضاً (مر ١٢ : ٣٥ - ٣٧)
وأيضاً نجده له المجد يرد على اليهود الذين أرادوا أن يرجموه من الكتاب المقدس:
«قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: ”اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ“.» (مز ١١٠ : ١)«فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: ”أَعْمَالًا كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَلٍ مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟“. أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: ”لَسْنَا نَرْجُمُكَ لِأَجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ، بَلْ لِأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهًا“. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: ”أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، فَالَّذِي قَدَّسَهُ الْآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لِأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلَا تُؤْمِنُوا بِي. وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالْأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ ٱلْآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ“.» (يو ١٠ : ٣١ - ٣٨)
ويوبخ اليهود على ريائهم مستخدماً الكتاب المقدس:
«أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ.» (مز ٨٢ : ٦)«يَا مُرَاؤُونَ! حَسَنًا تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلًا: يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هَذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا. وَبَاطِلًا يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ.» (مت ١٥ : ٧ - ٩)
ونجد رسل المسيح يصلون معاً مستخدمين مزامير داود النبي في العهد القديم:
«لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي، وَصَارَتْ مَخَافَتُهُمْ مِنِّي وَصِيَّةَ النَّاسِ مُعَلَّمَةً.» (إش ٢٩ : ١٣)«فَلَمَّا سَمِعُوا، رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتًا إِلَى اللهِ وَقَالُوا: ”أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَنْتَ هُوَ الْإِلَهُ الصَّانِعُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، الْقَائِلُ بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ: لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الْأُمَمُ وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ بِالْبَاطِلِ؟ قَامَتْ مُلُوكُ الْأَرْضِ، وَٱجْتَمَعَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ“.» (أع ٤ : ٢٤ - ٢٦)
ونقرأ عظة بولس الرسول لليهود في مجمعهم في أنطاكية بيسيدية فنجد عدة استشهادات من العهد القديم:
«لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الْأُمَمُ، وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ فِي الْبَاطِلِ؟ قَامَ مُلُوكُ الْأَرْضِ، وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى ٱلرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: ”لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا“.» (مز ٢ : ١ - ٣)«إِنَّ اللهَ قَدْ أَكْمَلَ هذَا لَنَا نَحْنُ أَوْلاَدَهُمْ، إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضًا فِي الْمَزْمُورِ الثَّانِي: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. إِنَّهُ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، غَيْرَ عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضًا إِلَى فَسَادٍ، فَهكَذَا قَالَ: إِنِّي سَأُعْطِيكُمْ مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ. وَلِذلِكَ قَالَ أَيْضًا فِي مَزْمُورٍ آخَرَ:لَنْ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَادًا.» (أع ١٣ : ٣٣ - ٣٥)
ويستشهد بولس الرسول في رسالاته بالعهد القديم في عدة مواضع:
«إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: ”أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ“.» (مز ٢ : ٧)
«أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا، مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ.» (إش ٥٥ : ٣)
«لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَادًا.» (مز ١٦ : ١٠)«لأَنَّهُ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ ”فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا“.» (رو ٤ : ٣)
«ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجٍ وَقَالَ: ”ٱنْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَعُدَّ النُّجُومَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعُدَّهَا“. وَقَالَ لَهُ: ”هَكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ“. فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسِبَهُ لَهُ بِرًّا.» (تك ١٥ : ٥ - ٦)«فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لِإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الْإِيمَانِ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: ”إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَبًا لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ“. أَمَامَ اللهِ الَّذِي آمَنَ بِهِ، الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيَدْعُو الْأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ. فَهُوَ عَلَى خِلَافِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَبًا لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ: ”هَكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ“.» (رو ٤ : ١٣ ، ١٧ - ١٨)
«فَلَا يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الْأُمَمِ.» (تك ١٧ : ٥)«وَأَمَّا الْأُمَمُ فَمَجَّدُوا اللهَ مِنْ أَجْلِ الرَّحْمَةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: ”مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سَأَحْمَدُكَ فِي الْأُمَمِ وَأُرَتِّلُ لِاسْمِكَ«. وَيَقُولُ أَيْضًا: ”تَهَلَّلُوا أَيُّهَا الْأُمَمُ مَعَ شَعْبِهِ“. وَأَيْضًا: ”سَبِّحُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ الْأُمَمِ، وَامْدَحُوهُ يَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ“. وَأَيْضًا يَقُولُ إِشَعْيَاءُ: ”سَيَكُونُ أَصْلُ يَسَّى وَالْقَائِمُ لِيَسُودَ عَلَى الْأُمَمِ، عَلَيْهِ سَيَكُونُ رَجَاءُ الْأُمَمِ“.» (رو ١٥ : ٩ - ١٢)
«لِذَلِكَ أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ فِي الْأُمَمِ، وَأُرَنِّمُ لِاسْمِكَ.» (مز ١٨ : ٤٩ ؛ ٢ صم ٢٢ : ٥٠)
«تَهَلَّلُوا أَيُّهَا الْأُمَمُ، شَعْبُهُ، لِأَنَّهُ يَنْتَقِمُ بِدَمِ عَبِيدِهِ، وَيَرُدُّ نَقْمَةً عَلَى أَضْدَادِهِ، وَيَصْفَحُ عَنْ أَرْضِهِ عَنْ شَعْبِهِ.» (تث ٣٢ : ٤٣)
«سَبِّحُوا الرَّبَّ يَا كُلَّ الْأُمَمِ. حَمِّدُوهُ يَا كُلَّ الشُّعُوبِ.» (مز ١١٧ : ١)
«وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الْأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا.» (إش ١١ : ١٠)«وَعَنِ الْمَلَائِكَةِ يَقُولُ: ”الصَّانِعُ مَلَائِكَتَهُ رِيَاحًا، وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ“. وَأَمَّا عَنْ الِابْنِ: ”كُرْسِيُّكَ يَا اللهُ، إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. أَحْبَبْتَ الْبِرَّ، وَأَبْغَضْتَ الْإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلَهُكَ بِزَيْتِ الِابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ“. وَ ”أَنْتَ يَا رَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الْأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَلَكِنْ أَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، وَكَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ. وَلَكِنْ أَنْتَ أَنْتَ، وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى“. ثُمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ قَطُّ: ”ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ“؟ أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لِأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا ٱلْخَلَاصَ!» (عب ١ : ٧ - ١٤)
«الصَّانِعُ مَلَائِكَتَهُ رِيَاحًا، وَخُدَّامَهُ نَارًا مُلْتَهِبَةً.» (مز ١٠٤ : ٤)
«كُرْسِيُّكَ يَا اللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الْإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلَهُكَ بِدُهْنِ الِابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ.» (مز ٤٥ : ٦ - ٧)
«مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الْأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ.» (مز ١٠٢ : ٢٥ - ٢٧)«لِذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الرُّوحُ الْقُدُسُ: ”الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي الْإِسْخَاطِ، يَوْمَ التَّجْرِبَةِ فِي الْقَفْرِ حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. اخْتَبَرُونِي وَأَبْصَرُوا أَعْمَالِي أَرْبَعِينَ سَنَةً. لِذَلِكَ مَقَتُّ ذَلِكَ الْجِيلَ، وَقُلْتُ: إِنَّهُمْ دَائِمًا يَضِلُّونَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا سُبُلِي. حَتَّى أَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي: لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي“.» (عب ٣ : ٧ - ١١)
بل ونجد بولس الرسول يمزج بين الاستشهاد بالعهد القديم والعهد الجديد في نفس الجملة، ذاكراً أن هذا قول الكتاب بصيغة المفرد:
«لِأَنَّهُ هُوَ إِلَهُنَا، وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ وَغَنَمُ يَدِهِ. الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي مَرِيبَةَ، مِثْلَ يَوْمِ مَسَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. اخْتَبَرُونِي. أَبْصَرُوا أَيْضًا فِعْلِي. أَرْبَعِينَ سَنَةً مَقَتُّ ذَلِكَ الْجِيلَ، وَقُلْتُ: ”هُمْ شَعْبٌ ضَالٌّ قَلْبُهُمْ، وَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا سُبُلِي“. فَأَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي: ”لَا يَدْخُلُونَ رَاحَتِي“.» (مز ٩٥ : ٧ - ١١)«لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: ”لَا تَكُمَّ ثَوْرًا دَارِسًا“، وَ”ٱلْفَاعِلُ مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ“.» (١ تي ٥ : ١٨)
«لَا تَكُمَّ ٱلثَّوْرَ فِي دِرَاسِهِ.» (تث ٢٥ : ٤)
«وَلَا مِزْوَدًا لِلطَّرِيقِ وَلَا ثَوْبَيْنِ وَلَا أَحْذِيَةً وَلَا عَصًا، لِأَنَّ الْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌّ طَعَامَهُ.» (مت ١٠ : ١٠) وانظر أيضاً (لو ١٠ : ٧) -
الكلمات المفردة لها أهمية في فهم المعنى لا تقل عن المعنى العام
الدقة في ترجمة معاني الكتاب المقدس والرجوع للغة الأصلية التي كتبت بها الأسفار لها أهمية خاصة لأن التغيير في بعض الكلمات البسيطة قد يغير العقيدة أو يعطي إيحاءات بما ليس من العقيدة السليمة. على سبيل المثال يوضح بولس الرسول أهمية الدقة في التعبيرات في رسالته إلى أهل غلاطية:«وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لَا يَقُولُ: ”وَفِي الْأَنْسَالِ“ كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: ”وَفِي نَسْلِكَ“ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ.» (غل ٣ : ١٦)
وفي إنجيل يوحنا البشير نجد السيد المسيح يقول«وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ.» (يو ٣ : ١٣)
وأهمية الدقة في استخدام الكلمات هنا تكمن في استخدام الفعل المضارع في قول السيد المسيح ’الذي هو في السماء‘، فإيمان المسيحية أن السيد المسيح له المجد هو الله الظاهر في الجسد، والله موجود في كل مكان ولا تحده حدود، وعليه فإن ابن الإنسان (المسيح) هو في السماء في نفس الوقت الذي هو موجود فيه على الأرض. وكمثال آخر نرى سؤال السيد المسيح للفريسيين عن قول داود النبي«قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي»
(مز ١١٠ : ١) فلو نُزِع الضمير من ’ربي‘ لتغير معنى الجملة تماماً وما كانت لتصلح كنبوءة عن السيد المسيح له المجد. -
الكتاب المقدس يفسر بعضه البعض ويكمل بعضه البعض
الكثير من غير المسيحيين، وأحياناً المسيحيون أيضاً، يأخذون البعض من آيات الكتاب المقدس ويحاولون فهمها بدون الرجوع لباقي الكتاب المقدس، متناسين أنه وحدة واحدة من مصدر واحد هو الله، وكما أن الكتب الأرضية تفهم في جملتها ولا تفهم جملاً منفصلة فإن الكتاب المقدس أيضاً يفهم في جملته. والأمثلة على هذا كثيرة، فقد قال السيد المسيح«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا.» (مت ١٠ : ٣٤) وانظر أيضاً (لو ١٢ : ٥١)
ويفسرها البعض على أن السيد المسيح كان يدعو تلاميذه إلى العنف وحمل السلاح، ويتجاهلون سياق الآية التي قيلت فيه، فالسيد المسيح قال هذا في إرساليته لتلاميذه موصياً إياهم بالاعتراف بالإيمان والتبشير به وتحمل الآلام في سبيل إيمانهم، والسياق يوصي بالسلمية التامة لا العنف (مت ١٠ ؛ لو ١٢) ويتجاهلون أن السيد المسيح عندما أُلقِي القبض عليه فضرب بطرس أذن عبد رئيس الكهنة فقطعها (مت ٢٦ : ٥١ ؛ مر ١٤ : ٤٧ ؛ لو ٢٢ : ٥٠ ؛ يو ١٨ : ١٠) وبخه السيد المسيح وأمره أن يرد السيف إلى غمده (مت ٢٦ : ٥٢ ؛ يو ١٨ : ١١) وأبرأ العبد (لو ٢٢ : ٥١)، ولو كان السيد المسيح يدعو إلى العنف لكانت هذه المناسبة أنسب وقت ليجعل تلاميذه يستلون السيوف ويدافعون عنه، ثم أن السيد المسيح في نفس السياق قال لتلاميذه أنهم ’سيُساقون‘ أمام ولاة وملوك من أجل اسم المسيح، والتعبير لا يوحي أبداً باستخدام العنف وقال لهم السيد المسيح أنهم سيُعطَون ما ’يتكلمون‘ به، وليس ما يحاربون به، وغير ذلك الكثير من آيات الكتاب المقدس، فمثلاً:«فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ:”أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي“. ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ:”يَارَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ“. وَإِذْ قَالَ هذَا رَقَدَ.» (أع ٧ : ٥٩ - ٦٠)
«فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ. فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا.» (رو ٨ : ١٧ - ١٨)
«لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ... لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ.» (في ١ : ٢١ ، ٢٩)
«فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِل، أَوْ سَارِق، أَوْ فَاعِلِ شَرّ، أَوْ مُتَدَاخِل فِي أُمُورِ غَيْرِهِ... فَإِذًا، الَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ، فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ، كَمَا لِخَالِق أَمِينٍ،فِي عَمَلِ الْخَيْرِ.» (١ بط ٤ : ١٥ ، ١٩)
أرجو أن يكون هذا المجهود المتواضع قد ساهم بشكل أو بآخر في توضيح مفهوم الوحي في المسيحية، لأن غياب هذا المفهوم يترتب عليه حتماً فهم خاطئ للكتاب المقدس، وأرحب بكل الأسئلة والتعليقات والنقد والاستفسارات.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق