ماذا يعني الدفاع عن شرع الله؟ و من هو المنوط بالدفاع عن شرع الله؟ و ما هو المباح في الدفاع عن شرع الله؟ و ما هو شرع الله؟ و من هو الله؟ ألا ينبغي أن نسأل أنفسنا هذه الأسئلة قبل أن نسرع للدفاع عن شرع الله؟
دعونا نحاول الإجابة على هذه الأسئلة من آخرها إلى أولها، أي من الأعم إلى الأخص، لنحاول أن نحدد منهجاً أو منطقاً نفهم منه واجبات و حقوق كل منا، و نفهم منه ما قد ينال كل منا من ثواب أو عقاب.
من هو الله؟
أغلب من يؤمنون بوجود إله يصفونه بالقدرة المطلقة و العلم المطلق، و هناك بالطبع من لا يؤمنون بوجود إله و هم أقلية في العالم بوجه عام و تختلف نسبتهم من مجتمع لآخر، و هناك ممن يؤمنون بوجود إله من يعبدونه بصدق و إخلاص و هناك من يؤمنون بوجوده و لكنهم يتجاهلونه في حياتهم اليومية. أي أن هناك خلافاً بين البشر حول مبدأ وجود الله من عدمه، ثم هناك خلاف آخر حول صفات الله بين من يؤمنون به، و هناك اختلاف بين المؤمنين بنفس العقائد في تفسيرهم لها و في تطبيقهم أيضاً. و هناك اختلاف في الفهم و التطبيق قد يحدث بمرور الزمن أيضاً مما قد يجعل مفاهيم و تطبيقات العصور الوسطى لا تناسب عصرنا هذا.
و من ثم فإن هذه الخلافات و الاختلافات بين البشر تجعل من الصعب جداً أن نقر أن هناك من يدافع عن شرع الله، و لكننا يمكن أن نقبل أن هناك من يدعي أنه يدافع عن شرع الله و يؤمن بذلك، و هو يعبر عن مفهوم واحد من مفاهيم عديدة و يعتبر مفهومه هو الصواب المطلق و ما عداه هو الخطأ المطلق، و هذه وجهة نظر ضيقة جداً للأمور قد تصل لحد السذاجة أو الغباء.
ثم يوجد السؤال الحرج و هو "إذا كنت تؤمن بإله قادر على كل شيء و عالم بكل شيء، فلماذا تدافع عن شرع ذلك الإله و هو القادر على حماية شرعه؟" إن كان قادراً فدفاعك عن شرعه عبث و إن كان غير قادر فإيمانك به عبث.
ما هو شرع الله؟
لا تتفق الأديان على تعريف واحد لشرع الله، و كل دين يعتبر الآخرين بالضرورة على خطأ و هو على الصواب، و لكن تختلف تبعات هذا الاعتبار من دين لآخر، بداية من التعايش السلمي التام و قبول الآخر على ما هو عليه و حتى قتال الآخر حتى يرضخ و يذعن و يؤمن بالدين "الحق" أو يفنى من على وجه الأرض و مروراً بالتمييز ضد أتباع الأديان الأخرى بدرجات متفاوتة. و لا تتساوى كل الأديان في تحريم و إباحة الأشياء و الأفعال، و لا تتساوى أيضاً في تبعات التحريم و المنع، كما أن الطوائف المختلفة داخل الدين الواحد تختلف فيما بينها في التحريم و الإباحة ما بين الإفراط و التفريط.
و هذا يجعل تعريف "شرع الله" بشكل متفق عليه بين البشر أمراً مستحيلاً.
ما هو المباح في الدفاع عن شرع الله؟
و بمعنى آخر، هل يجوز أن تخالف شرع الله لكي تدافع عن شرع الله؟ إذا كان الشرع الذي تؤمن به ينهى عن الكذب و الإيذاء و القتل، أفيجوز أن تكذب و تؤذي و تقتل كي تدافع عن الشرع؟ و إن كنت توافق أن تكذب أو تؤذي أو تقتل دفاعاً عن شرع الله، أفتوافق أن تزني أمك أو امرأتك أو ابنتك في سبيل الدفاع عن شرع الله؟ كلها مخالفات للشرع في سبيل الدفاع عن الشرع، فلماذا لا تستوي هذه و تلك في نظرك؟
و أرى أحياناً ازدواجية في المعايير، فيبيح الشرع أن تقتل "أعداء الدين" و يحرم أن تقتل المؤمنين، و يبيح الشرع أن تسلب ما لأعداء الدين من ممتلكات و أعراض و يحرم أن تسلب المؤمنين، و يبيح الشرع أن تكذب طالما كنت في حرب مع أعداء الدين و يحرم أن تكذب على المؤمنين، و يترك الشرع تفسير "أعداء الدين" و الحرب معهم فضفاضاً يحتمل التأويل بأشكال عديدة فيستخدم أحياناً في تحقيق المصالح الشخصية أو إشباع الشهوات أو القمع أو غيرها. لا أرى في ذلك منطقاً على الإطلاق. لا يكيل الله العادل بمكيالين و هو له ما له من العلم و القدرة المطلقين، و إن كان يكيل بمكيالين فهو ليس بعادل و لا يستحق العبادة.
لا أستطيع أن أفهم أن يبيح الله في الدفاع عن شرعه ما حرمه في موضع آخر. لا يتفق هذا مع كمال الله.
من هو المنوط بالدفاع عن شرع الله؟
و إن سلمنا جدلاً بأن البشر اتفقوا على إله واحد و شرع واحد و على أن الشرع محتاج للدفاع عنه و على ما هو مباح في الدفاع عن الشرع، من إذاً يتولى الدفاع عنه؟ هل يتولى الدفاع عنه الأفراد المؤمنون بهذا الدين أم تتولى الدولة ذلك؟ فإن تولت الدولة ذلك فما مصير مواطني الدولة المختلفين مع رؤية الدولة للدين و الشرع؟ و إن تولى الأفراد ذلك فأين ذهبت الدولة كما نعرفها في القرن الحادي و العشرين، و مَن مِن الأفراد يتولى الدفاع عن الشرع؟ و ما هو المباح لهم في الدفاع عنه؟ و هل يباح للمختلفين معهم في دفاعهم عن آرائهم ما يباح لهم؟ أم أن رجال الدين هم المدافعون عن شرع الله؟ و هذا يقودنا لتساؤل آخر و هو "من هم رجال الدين؟" هل كل من تكلم باسم الدين رجل دين؟ هل العابد الناسك رجل دين؟ أم هو القارئ الدارس؟ أم هو مزيج من هذا كله؟ هذه أسئلة لا بد لها من إجابات حتى لا يختلط الحابل بالنابل.
ما هو الدفاع عن شرع الله؟
هل هو القتال و الحرب؟ أم هو الإجبار و القمع؟ أم هو التنظير و النقاش و التعليم و التوعية؟
إن كان هو الأولى فلا تلومُن من يحارب "المدافعين عن شرع الله"، فربما كانت وجهة نظره أنه هو أيضاً يدافع عن شرع الله الذي يؤمن به، و لا تتحسرن على تفكك دول و انقسام شعوب بسبب القتال في سبيل شرع الله.
و إن كان الثانية فالله أقدر من خلقه على إجبار الناس على اتباع شرعه إن أراد، و ليس إجبار الناس على اتباع "شرع الله" إلا قمعاً للحريات لم يمارسه الله نفسه الذي لا يفني من على وجه الأرض الخطاة و غير المؤمنين به.
و إن كان الثالثة فلا بأس على الإطلاق، لأن الإنسان من المفترض فيه أنه كائن حر عاقل، فالعقل هو السبيل للإقناع و الحرية شرط من شروط التكافؤ اللازم للنقاش الذي قد يؤدي للإقناع. الخيار الثالث هو الوحيد الذي لا يتعدى على حرية الآخرين و لا يقسم الدول و الشعوب و لا يثير الفتن و القلاقل و لا يفسح مجالاً للاستبداد و الطغيان، و هو الوحيد الذي لا يظهر الله بمظهر العاجز عن حماية شرعه.
ختام
الدين فكرة و ليس مادة، و لا يمكن التعدي عليه إلا بالسب و الإهانة أو بمحاولة التحريف و التبديل. لن يضير الدين سب و لا إهانة، و من يؤمن بإله قادر على كل شيء ينبغي عليه أن يدرك أن إله الدين قادر على حمايته. أما محاولات التحريف و التبديل فالرد عليها يكون بالعقل و الفكر السليم و الأدلة و ليس بالعنف و القتال.
قال لي أحد الأصدقاء ذات يوم إن الله لا يحتاج أن ندافع عن دينه و لكنه يحتاج أن "يرانا" ندافع عن دينه ليكون هناك ثواب و عقاب. إن كنت تؤمن أن الله يعلم كل شيء ما ظهر و ما بطن، فلا بد أنك تؤمن أيضاً أن الله لا يحتاج أن يراك ترفع السلاح دفاعاً عن دينه، فهو يعلم قدر إيمانك، و حتماً لا يحتاج أن تخالف شرعه فتؤذي أو تقتل دفاعاً عن دينه. يكفي الله أن يراك ثابتاً على الدين القويم مؤمناً بما وعد الله له منفذاً لما أوصى الله به من بر و رحمة و إحسان و عدل.
ارتقوا إلى مرتبة الإنسان و لا تكونوا أصحاب أنصاف عقول، فلعمري إنها أخطر على أصحابها من عدمها، فلم أر من البهائم عديمة العقل ما يقاتل أخاه و يؤذيه دفاعاً عن فكرة.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق