هذه التدوينة هي من سلسلة تدور حول تاريخ الأرقام. هذا الرابط يحتوي على قائمة بالتدوينات المتعلقة بهذا الموضوع.
الحلقة السابقة: الأرقام المصرية القديمة
وليس بعيداً عن الحضارة المصرية، ابتكرت حضارات ما بين النهرين—السومرية (Sumerian) والأكادية (Akkadian) والبابلية (Babylonian) والآشورية (Assyrian)— نظاماً عددياً خاصاً بها يختلف عن النظام المصري بشكل ملحوظ. ذلك النظام كان يعتمد على الأساس ٦٠ وليس الأساس ١٠ مثل النظام المصري القديم، ولهذا يسمى النظام الستيني (Sexagesimal system).
ولا يُعْرَف على وجه التحديد لماذا اعتمد أهل تلك الحضارات على الأساس ٦٠ بدلاً من ١٠، ولكن يُظَن إن معاملاتهم التجارية كانت أكثر وأوسع بكثير من المصريين القدماء، ولهذا فإن حاجتهم لأرقام أكبر وأسهل في التعامل كانت أكثر من المصريين، والعدد ٦٠ أكبر من العدد ١٠ ويقبل القسمة على أعداد أكثر من العدد ١٠:
- العدد ١٠ يقبل القسمة على ١ و ٢ و ٥ و ١٠
- العدد ٦٠ يقبل القسمة على ١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ١٠ و ١٢ و ١٥ و ٢٠ و ٣٠ و ٦٠
ولأن من الصعب التصور أن القدماء كانوا يستخدمون أي شيء غير الأصابع لغرض العد، فإنهم غالباً ما كانوا يستخدمون عُقَل أصابع أحد اليدين للعد حتى ١٢، و لعد ’الإثنيعشرات‘ التي تعدها اليد الأولى يستخدمون أصابع اليد الثانية، مع استخدام الإبهام في كلتي اليدين كمؤشر إلى الرقم الحالي.
اليد اليسرى تستخدم للعد من ١ إلى ١٢، وعند اكتمال العد حتى ١٢ تستخدم اليد اليمنى للإشارة إلى إصبع البنصر للدلالة على أن مجموعة من ١٢ شيئاً قد تم عدها، ويبدأ العد باستخدام اليد اليسرى مرة ثانية من ١٣ إلى ٢٤ (أو من ١ إلى ١٢ بعد أول ١٢)، وعند الاكتمال يشير الإبهام الأيمن إلى إصبع الخنصر للدلالة على أن مجموعتين من ١٢ شيئاً قد تم عدهما، وتبدأ اليد اليسرى من جديد في العد، وهكذا. وباستخدام هذه الطريقة كما هو موضح في الشكل، فإن الإبهام الأيسر عندما يشير إلى العقلة الوسطى من إصبع السبابة ويشير الإبهام الأيمن إلى إصبع الخنصر، فإن ذلك يعني أن هناك مجموعتين من ١٢ شيئاً تم عدهما، بالإضافة إلى ١١ شيئاً آخر، أي أن العدد هو ٢×١٢+١١=٣٥، وبهذه الطريقة تمكن البابليون من العد حتى ٦٠ على أصابع اليدين.
غير أن الأعداد ككميات مجردة عن الأشياء المادية لم تظهر في تلك الحضارات ,حتى حوالي عام ٢٠٠٠ قبل الميلاد تقريباً. قبل ذلك، كان النظام الستيني مستخدماً، ولكن الأعداد لم تكن مجردة، فكان هناك مثلاً رمز لعدد ’واحد خروف‘ أو ’واحد يوم‘، ولكن لم يكن هناك رمز للعدد واحد مجرداً عن أي شيء مادي، وظهرت الأعداد المجردة في تلك الحضارات حوالي ٢٠٠٠ سنة قبل الميلاد، ولذلك فإن المصريين القدماء كان لهم السبق في استخدام رموز للأعداد كأشياء مجردة، لكن حضارات ما بين النهرين كان لها السبق في شيء آخر في منتهى الأهمية سيأتي ذكره لاحقاً.
وطور البابليون نظاماً لكتابة الأرقام بالخط المسماري (cuneiform script) يعتمد على مزيج من النظام العشري والنظام الستيني، والخط المسماري كان يكتب بقلم خشبي طرفه مخروط، وكان الكاتب يستخدم مثل هذا القلم لعمل علامات على ألواح من الصلصال (لم يكن الحبر ضرورياً) يتم تجفيفها فيما بعد فلا تنمحي العلامات، ويوضح الشكل المجاور الطريقة التي كانت تستخدم في كتابة الخط المسماري. ولهذا فإن رموز الخط المسماري كلها مكونة من تشكيلات من المثلثات--وهي العلامات التي كان القلم المخروط يصنعها على الصلصال--في مجموعات واتجاهات مختلفة، وكل تشكيلة من هذه لها معنى معين، وكانت الأرقام تكتب بنظام خاص يوضحه الجدول التالي الذي يحتوي على الأرقام المسمارية من ١ إلى ٥٩.
صفر+ | ١٠+ | ٢٠+ | ٣٠+ | ٤٠+ | ٥٠+ | |
---|---|---|---|---|---|---|
صفر | ||||||
١ | ||||||
٢ | ||||||
٣ | ||||||
٤ | ||||||
٥ | ||||||
٦ | ||||||
٧ | ||||||
٨ | ||||||
٩ |
كل علامة رأسية (تشبه الخط الذي يمثل الرقم ١ في كل النظم الرقمية التي ابتكرها البشر حتى الآن) تمثل شيئاً واحداً، وبوضع علامتين من هذه بجوار بعدهما البعض، فإن الرمز يعبر عن العدد ٢، وبوضع ٨ علامات منها، فإن الرمز يعبر عن العدد ٨، وهكذا مثل النظام المصري القديم الذي يسمح بتكرار الرمز بحد أقصى ٩ مرات. أما العشرات ومضاعفاتها فيمثلها علامات أفقية توضع على يسار العلامات الرأسية (إن وجدت)، فالعلامة الأفقية الواحدة تعبر عن العدد ١٠، وثلاثة من هذه العلامات الأفقية تعبر عن العدد ٣٠. ما يميز هذه الطريقة في الكتابة:
- أن تكرار العلامات له حد أقصى، مما يجعل قراءة الأرقام أسهل من إستخدام العلامات الإحصائية.
- أن العلامات توضع في نمط معين عند تكرارها، فمثلاً ٩ من العلامات الرأسية توضع في ٣ صفوف كل منها يحتوي على ٣ علامات، ولا تكتب بشكل مختلف، وهذا يجعل التعرف على الأعداد بنظرة بسيطة أسهل بكثير، حيث أن الخلط مثلاً بين ٨ و٩ بهذه الطريقة غير وارد، نظراً لأن ٨ تكتب في صفين كل منهما يحتوي على ٤ علامات، بينما الخطأ وارد بشكل أكثر في حالة عدم الالتزام بنمط معين لكتابة الرموز المكررة.
- أن هذا النظام يستخدم أساساً عشرياً في كتابة الأعداد من ١ إلى ٥٩ كما نرى في الجدول، فكل من العلامات الرأسية يتكرر بحد أقصى ٩ مرات، ثم تعبر العلامات الأفقية عن مضاعفات العدد ١٠. يطلق على هذه الطريقة في التعبير عن الأعداد ’نظاماً عشرياً داخلياً‘ (internal decimal system) حيث أن التعبير عن الأرقام الأكبر من ٥٩ يعتمد على الأساس ٦٠، ولهذا فإن النظام ككل يعد نظاماً ستينياً وليس عشرياً.
القيمة المكانية
كان للبابليين السبق في ابتكار فكرة القيمة المكانية (place value) في كتابة الأرقام، والقيمة المكانية تعني أن الرمز يأخذ قيمة تعتمد على مكان كتابته، وليس فقط على شكله. القيمة المكانية هي من أحد أعمدة النظم الرقمية الحديثة، ولست على علم بأي نظام رقمي حديث لا يستخدم هذه الطريقة. في النظام العشري المعتاد الذي نستخدمه في حياتنا اليومية، نستخدم ١٠ رموز فقط في كتابة الأعداد، وهي الأرقام من صفر إلى ٩، وباستخدام هذه الرموز العشرة فقط يمكننا التعبير عن أي رقم محدود مهما بلغ كبره! السر في هذا هو استخدام القيمة المكانية.
عندما نكتب الرقم في أقصى اليمين، فإنه يأخذ قيمته فقط، وفي كل مكان على يسار هذا المكان المبدئي، يأخذ الرقم قيمته مضروبة في ١٠ بعدد مرات الانتقال إلى يسار هذا المكان المبدئي، فمثلاً في العدد ٢٤٩ فإن أول رقم على اليمين في المكان المبدئي هو ٩ وهو يأخذ قيمته فقط، وفي المكان التالي نجد الرقم ٤ وهو يأخذ قيمته مضروبة في ١٠ مرة واحدة (حيث انتقلنا مرة واحدة إلى يسار المكان المبدئي) أي أن قيمته ٤٠، وفي المكان التالي نجد الرقم ٢ وهو يأخذ قيمته مضروبة في ١٠ مرتين (حيث أنه في ثاني مكان على يسار المكان المبدئي) أي أن قيمته ٢٠٠، ومجموع هذه القيم هو العدد المراد التعبير عنه، أي أنه مئتين وتسعة وأربعون. والقارئ يمكنه ببساطة تطبيق هذه القاعدة على أي عدد نكتبه بالنظام العشري المعتاد، وسيجد أنها تنطبق في كل مرة.
استخدم البابليون القيمة المكانية في التعبير عن الأعداد التي تزيد عن ٥٩، فكل رقم (في حالتهم هذه الرقم هو رمز أي عدد من ١ إلى ٥٩) يكتب على يسار المكان المبدئي يأخذ قيمته مضروبة في ٦٠ بعدد مرات الانتقال إلى يسار المكان المبدئي. فمثلاً العدد ٧١ يكتب على شكل ١١ على اليمين ثم ١ على يسارها، وهذا الواحد على اليسار يأخذ قيمته مضروبة في ٦٠ مرة واحدة، أي أن قيمته ٦٠! قد يبدو هذا النظام غريباً على القارئ المعتاد على النظام العشري، لكنه لم يكن غريباً على الإطلاق على البابليين، وهو النظام الوحيد الذي كانوا يستخدمونه. يوضح أيضاً الشكل التعبير عن العدد ٨٢٦ بالأرقام البابلية، حيث يكتب ٤٦ على اليمين، فتأخذ قيتمها فقط، ويكتب على يسارها ١٣ التي تأخذ قيمتها مضروبة في ٦٠، أي أن قيمتها ٧٨٠، وبجمع القيمتين نحصل على القيمة الكلية للعدد.
وبصفة عامة فإن القيمة المكانية تعتمد على أساس النظام الرقمي، ففي النظام العشري (أساس ١٠) نضرب قيمة الرقم في الأساس (أي في ١٠) بعدد مرات الانتقال إلى يسار المكان المبدئي، وفي النظام الستيني (أساس ٦٠) نضرب قيمة الرقم في ٦٠ بعدد مرات الانتقال إلى يسار المكان المبدئي، وفي النظام الثنائي (binary system) المعتمد على الأساس ٢ نضرب في ٢، وفي النظام الثماني (octal system) المعتمد على الأساس ٨ نضرب في ٨، وفي النظام الستعشري (hexadecimal system) المعتمد على الأساس ١٦ نضرب في ١٦، وهكذا. وهذه الأنظمة الثلاث الأخيرة تستخدم في مجال الحاسب الآلي بكثرة، ولا تستخدم في الحياة اليومية.
الكسور في النظام البابلي
للجذر التربيعي للعدد ٢[٣] |
استخدم البابليون نفس النظام الستيني والقيمة المكانية للتعبير عن الكسور، وكانت أرقامهم تقرأ من اليسار إلى اليمين، وبدلاً من ضرب قيمة الرقم في ٦٠ عند التحرك إلى اليسار مكاناً واحداً، فإن قيمته تقسم على ٦٠ عند التحرك إلى اليمين مكاناً واحداً، وتقسم على ٦٠×٦٠=٣٦٠٠ عند التحرك إلى اليمين مكانين وهكذا. هذه الطريقة مكنت البابليين من حساب الكسور إلى درجات كبيرة من الدقة، وتم اكتشاف لوح من الصلصال حسب فيه البابليون القدماء قيمة الجذر التربيعي للعدد ٢ (انظر الصورة التي توضح حساب قطر مربع). القيمة تساوي (١)+(٢٤÷٦٠)+(٥١÷٣٦٠٠)+(١٠÷٢١٦٠٠٠)=١٫٤١٤٢١٢٩٦٣. والقيمة التي حسبوها دقيقة إلى ٦ أرقام عشرية! حيث أن القيمة التقريبية هي ١٫٤١٤٢١٣٥٦٢
كانت المشكلة في النظام البابلي أن القيمة المكانية لم تكن محددة بوضوح، ففي المثال السابق وفي العدد ١٠—٥١—٢٤—١ لا نعرف موقع العلامة الفاصلة بين الأرقام المعبرة عن الأعداد الصحيحة وتلك المعبرة عن الكسور، ويمكن أن تكون قيمة هذا العدد (١×٦٠)+(٢٤)+(٥١÷٦٠)+(١٠÷٣٦٠٠)=٨٤٫٨٥٢٧٧٧٧٧٨ ويمكن كذلك أن تكون (١×٣٦٠٠)+(٢٤×٦٠)+(٥١)+(١٠÷٦٠)=٥٠٩١٫١٦٦٦٦٦٦٦٧. بالنسبة لنا اليوم، فإن هذا الغموض (ambiguity) في التعبير عن الأعداد غير مقبول، غير أن البابليين كانوا يستخدمون الحسابات في سياقات معينة، وذلك كان يوضح المقصود من الأعداد. بالنسبة لذلك الزمان، كان هذا حساباً متقدماً للغاية.
هذا الجزء للمهتمين بالرياضيات، ويمكن تجاهله لمن لا يهتم بها دون الإخلال بمضمون المقال
لوح الصلصال يوضح مثالاً لمربع طول ضلعه ٣٠، ويكون في هذه الحالة طول القطر ٣٥—٢٥—٤٢ بالنظام الستيني، وإذا ضربنا قيمة الجذر التربيعي المكتوبة على اللوح (١٠—٥١—٢٤—١) في ٣٠، فإننا نحصل على القيمة الموضحة. كان عند البابليين جداول مثل الجداول الرياضية في العصر الحديث، إلا أنها كانت تستخدم للضرب والقسمة.
$$\definecolor{green}{RGB}{0,192,0} \definecolor{blue}{RGB}{0,0,192} \definecolor{red}{RGB}{192,0,0} \definecolor{purple}{RGB}{150,25,150} 30\times\frac{\color{purple} 10}{60^3}=\frac{300}{60^3}=\mathit{0}+{\color{green} \frac{5}{60^2}}$$ $$30\times\frac{\color{purple} 51}{60^2}+{\color{green} \frac{5}{60^2}}=\frac{1535}{60^2}=\frac{35+1500}{60^2}=\frac{\mathit{35}}{60^2}+{\color{blue} \frac{25}{60}}$$ $$30\times\frac{\color{purple} 24}{60}+{\color{blue} \frac{25}{60}}=\frac{745}{60}=\frac{25+720}{60}=\frac{\mathit{25}}{60}+{\color{red} 12}$$ $$30\times{\color{purple} 1} + {\color{red} 12}=30+12=\mathit{42}$$النظام الستيني في يومنا المعاصر
على الرغم من أننا نستخدم النظام العشري في معظم أوجه الحياة، إلا أننا ما زلنا نستخدم النظام الستيني في أوجه كثيرة بدون أن ندرك ذلك. التوقيت يعتمد على النظام الستيني، فالساعة ستون دقيقة والدقيقة ستون ثانية، وكذلك قياس الزوايا يعتمد على النظام الستيني، فالزاوية ستون دقيقة ودقيقة الزاوية ستون ثانية، وزوايا المثلث الثلاث مجموعها ٣×٦٠=١٨٠، والإحداثيات الجغرافية تعتمد أيضاً على النظام الستيني إلى حد ما، فخطوط العرض (latitudes) عددها ١٨٠ وخطوط الطول (longitudes) عددها ٣٦٠ وهما من مضاعفات العدد ٦٠.
ظل النظام الستيني مستخدماً في قياس الزوايا منذ القدم، وتطور مع تطور الحساب، وكان لا بد من إيجاد حل لمشكلة الغموض في التعبير عن الأرقام، وفي العصور الوسطى نجد أن الأرقام وُضِع لها علامات أو سُمِيّت أسماء لتمييز قيمتها المكانية، وفي كتابه المكتوب باللاتينية ’التعلّم الجامع‘ (Mathesis Universalis) استخدم عالم الرياضيات الإنجليزي جون واليس (John Wallis) طريقة للتعبير عن القيمة المكانية في النظام الستيني، وهي وضع علامات مائلة فوق الأرقام تميز قيمتها المكانية، فإذا كانت العلامات في اتجاه معين ضُرِبت قيمة الرقم في ٦٠ بقدر عدد العلامات، وإذا كانت في الاتجاه المعاكس قُسِِمت قيمة الرقم على ٦٠ بقدر عدد العلامات، أما إذا كان الرقم في المكان المبدئي وله قيمته فقط فإنه يوضع عليه دائرة صغيرة، فمثلاً العدد ٢٠'-٣°-١` يعبر عن ١ مضروباً في ٦٠، و٣ بنفس قيمتها، و٢٠ مقسومة على ٦٠، والعدد الذي رأيناه عالياً يعبر عن الجذر التربيعي للعدد ٢ يكتب ١٠'''-٥١''-٢٤'-١°، ونلاحظ أن هذه الطريقة في كتابة الأرقام بالنظام الستيني هي التي استمرت إلى الآن للتعبير عن الزوايا وكسور الزوايا.
ونجد أن وحدات القياس في حضارات ما بين النهرين كانت تعتمد تماماً على النظام الرقمي الستيني، أما الوحدات الرومانية (التي تأثرت حتماً بتلك الحضارات) فاعتمدت على مزيج غريب من النظام العشري والنظام الستيني، ومنها تطور نظام القياس الإمبراطوري (Imperial System of Units) الذي ظل مستخدماً في الإمبراطورية البريطانية حتى عهد ليس ببعيد، ولا زال يستخدم حتى الآن في الولايات المتحدة، ويستخدم جزئياً في كندا والمملكة المتحدة، وإن كان هناك اتجاه فيما للتحول إلى نظام القياس الدولي (International System of Units الذي تحولت إليه معظم دول العالم حالياً. ونرى أن النظام الإمبراطوري يظهر بعض التأثر بالنظام الرقمي الستيني، فمثلاً القدم (foot) ١٢ بوصة (inch)، والعدد ١٢ من قواسم ٦٠، والياردة (yard) ٣ أقدام والفرسخ (league) ٣ أميال (mile)، والعدد ٣ من قواسم ٦٠، والجالون (gallon) (وحدة حجوم) ٤ (quart)كوارتات، والعدد ٤ من قواسم ٦٠، ولكن في الواقع فإن النظام الإمبراطوري يعتمد على مزيج مشوه من الأنظمة الرقمية العشرية والستعشرية والستينية، وليس فيه نظام متسق (consistent) للتحويل بين الوحدات، ولهذا ترك في معظم العالم حالياً.
مشاكل النظام الستيني
على الرغم من الميزات المذكورة سابقاً والتي مكنت البابليين من إجراء حسابات معقدة، فإن النظام الستيني لم يلق نجاحاً كبيراً كنظام عالمي، وذلك ربما للأسباب التالية:
- الحسابات كانت معقدة للغاية نظراً لوجود ٥٩ رمزاً للتعبير عن الأرقام في هذا النظام، وكان يلزم لإجراء الحسابات الرجوع إلى ألواح من الصلصال عليها حسابات تشبه الجداول الرياضية في التاريخ الحديث، وبدون هذه الألواح كان إجراء العمليات الرياضية صعباً إلى حد كبير.
- النظام الرقمي البابلي لم يكن فيه صفر! هذا كان يمثل مشكلة في الأرقام التي هي مضاعفات ٦٠ مثلاً أو مضاعفات ٣٦٠٠، فقبل تطوير النظام ليتفادى الغموض في القيمة المكانية كان الرقم ٣ مثلاً غير واضح إذا كان معناه ٣ فقط، أم (٣×٦٠)=١٨٠، أم (٣×٣٦٠٠)=١٠٨٠٠!! في مرحلة لاحقة طور البابليون رمزاً للصفر هو ولكنه غالباً كانوا يستخدمونه عند الحاجة داخل الأعداد. على سبيل المثال، العدد ٢١٦٠١٠ هو بالنظام الستيني ١٠°—٠`—٠``—١```، وكان يكتب بالأرقام البابلية كما هو موضح في الشكل. في حالة عدم وجود الصفر، سيواجه الكاتب مشكلة، حيث أن ١٠ يليها ١ قد تعني ١٠°١`، وهو ما يعادل ٧٠، أو ١٠°—٠`—١``، وهو ما يعادل ٣٦١٠، والفرق بين الأرقام رهيب!! غير أن رمز الصفر في النظام البابلي لم يكن مثل رقماً حقيقياً، بل كان—مثله مثل الصفر في النظام المصري القديم—نائباً (placeholder) عن مكان فارغ، ولم يكن يوضع إلا في وسط الأعداد عند الحاجة إليه، ولو فعلنا نفس الشيء في النظام العشري المعتاد لصار ١ له نفس طريقة الكتابة مثل ١٠ مثل ١٠٠ مثل ١٠٠٠، فالصفر على اليمين لن يكتب في جميع الأحوال!!
- غياب علامة توضح القيمة المكانية بالضبط يؤدي—كما شرح أعلاه—إلى شيء من الغموض في الأرقام. تخيل أنك تستخدم النظام العشري المعتاد بدون وجود العلامة العشرية. في هذه الحالة، كيف ستعرف إذا كان ١٢٥ يعني مئة وخمساً وعشرين أم اثني عشر ونصف (١٢٫٥) أم واحداً وربع (١٫٢٥) أم ثُمن (٠٫١٢٥) أم غيرها؟! هذا كان الحال في النظام البابلي. ربما كان يمكنهم فهم المعنِيّ بالأرقام من السياق بعض الشيء، ولكن هذا الغموض غير مقبول لنا في الرياضيات الحديثة حيث الرمز يعني في مكانه شيئاً واحداً فقط لا غير ولا يحتمل أكثر من معنى واحد.
مطلوباً لتقليل الغموض حول قيمتها |
انتظروا الحلقة القادمة: أرقام المايا
نسب المصنفات
باستثناء المصنفات المنسوبة فيما يلي، يستحق القراءة بواسطة رفيق ميخائيل مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف - غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
- بوابة عشتار البابلية: موسوعة الإنترنت ويكيبيديا
- طريقة الكتابة بالخط المسماري: صفحة على موقع قسم العلوم الإنسانية (Humanities) بجامعة ميتشجان للتكنولوجيا (Michigan Technological University)
- لوح صلصالي بابلي عليه القيمة التقريبية للجذر التربيعي للعدد ٢: موسوعة الإنترنت ويكيبيديا
- الرموز المسمارية: ملف PDF وملف PDF آخر من موقع جمعية اليونيكود (The Unicode Consortium)
هذه الصفحة تستخدم مكتبة ماثجاكس (MathJax Library)
بحاجة إلى التواصل عبر WhatsApp: +91 (923) 356-1861. لقد حصلت على الألغام منهم.
ردحذفشكرًا.