بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 20 فبراير 2017

أصول الدين

وحياة الغاليين التدوينة دي بالذات أنا مش غرضي من كتابتها أدخل في نقاشات بيزنطية سفسطائية. لو كلامي مش عاجبك اعمل نفسك ما قريتهوش. أنا ساعات بأقول كلام عبيط كدا. اقراها وفكر فيها، أو ماتفكرش، براحتك خالص. بس فعلاً ماعادش عندي صحة للمناهدة. وأعتذر عن الإزعاج يعني.

حد فاكر اللعبة اللي كنا بنلعبها وإحنا عيال اللي كان اسمها ”التليفون الخربان“ أو شيء من هذا القبيل؟ اللعبة تتمثل في أن العيال بيقعدوا جنب بعض في صف طويل، وأول واحد من أحد الطرفين يختار كلمة ويقولها للي جنبه، واللي جنبه يقولها للي جنبه وهكذا لحد ما توصل آخر الصف، بس بشرط أنهم يعملوا كدا بسرعة وكل واحد يقول الكلمة مرة واحدة بس للي جنبه، والتاني يسمعها زي ما يسمعها بقى. النتيجة أن بيحصل أخطاء في نقل الكلام من فرد للتاني، وبالتالي على ما توصل الكلمة لآخر عيل في الصف ممكن تكون تحولت لكلمة تانية مختلفة تماماً مالهاش أي دعوة بالكلمة الأصلية. والمسلي في اللعبة أنك تشوف أول عيل اختار كلمة إيه ووصلت لآخر واحد إيه، وغالباً بتبقى المفارقة مضحكة.

تغيرت الجملة من
”The avengers are on the show tonight“
إلى
”The diaphragm jelly is in my glovebox“

طبعاً غني عن الذكر أن فيه عوامل كتير ممكن تؤثر على نقل الكلام بشكل صحيح، زي الدوشة اللي حواليهم ولو فيه حد منهم نطقه مش واضح أو صوته واطي، ولو فيه حد منهم سمعه ضعيف، ولو الكلمة نفسها كلمة غريبة على مسامع الأطفال، وكمان فيه عامل مهم جداً وهو طول الصف. كل ما كانت الكلمة بتنتقل خلال عدد أكبر من العيال كل ما فرصة حدوث خطأ في نقلها كانت أكبر. لو عندك صف من ٤ عيال حتبقى لعبة مملة لأنهم غالباً حينقلوها صح، لكن لو عندك صف من ٣٠ عيل حيبقى الضحك للركب. عامل تاني وارد ومهم لكن مستحيل تعرفه هو لو فيه عيل منهم رخم متعمد أنه ينقل الكلام غلط. علشان تحاول تعرف العيل دا (إن كان موجود أصلاً) لازم تتابع مسار الكلام واحدة واحدة من عيل للي وراه وتشوف لو حصل في النص تغير مفاجئ غير مبرر، وساعتها حيكون عندك شك (وفقط شك مش يقين) أن العيل اللي حصل عنده كدا قاصد يغير الكلمة.

مثلاً، لو الأول اختار كلمة ”ترابيزة“ وبعد شوية بقت ”تريزة“ وبعدين بقت ”تريزيجيه“ ثم ”ترنجين“ فممكن تعتبر أن دا غلط في نقل الكلمة من واحد للتاني لأن الكلمات قريبة نسبياً من بعضها، لكن لو الأول اختار ”كرسي“ وبعدين بقت ”مرسي“ وبعدين ”ميرسي“ ثم ”سمكة“ ثم ”شبكة“، فغالباً الواد الرخم واحد من العيال اللي تغيرت عندهم من ”ميرسي“ إلى ”سمكة“ لأن من الصعب جداً تكون اتسمعت كدا بالغلط، لأن الكلمتين بعاد عن بعض في النطق. دا طبعاً ممكن فقط في حالة أنك عرفت تتتبع نقل الكلمة من عيل للي وراه، وطبعاً ماحدش بيعمل كدا لأن دي لعبة وإحنا متوقعين أصلاً الكلام يتنقل غلط. هي دي اللعبة أساساً.

الفكرة بتاعة اللعبة دي تعتمد على كذا حاجة. في الأساس هي معتمدة على الخطأ التراكمي (cumulative error)، اللي هو فكرة أن حدوث خطأ صغير بس متكرر ممكن يبعد بنا تماماً عن الهدف المقصود. الفكرة دي لها نظريات في الرياضيات وغالباً حتلاقي اسمها ’انتشار عدم اليقين‘ (Propagation of uncertainty) ولها أهمية قصوى في مجال العلوم، وإن كانت مناهجنا في الشرق الأوسط لا تعير لها اهتماماً. في أوروبا والدول المتقدمة، العيال بيدرسوا في ثانوي أهمية اتخاذ النقطة دي في الحسبان وهم بيحسبوا نتايج المسائل، وبينقصوا درجات على عدم التزامهم بالقواعد. القواعد دي بتقول لهم أنك لما تدخل أرقام تقريبية في سلسلة من الحسابات، فالنتيجة النهائية بتبقى مش أكيدة بدرجة أكبر، وكل ما السلسلة دي تطول كل ما تأكدنا من دقة النتيجة بيقل. دا طبعاً تبسيط مخل شوية بالقواعد، لكن في المجمل هو دا المقصود: تراكم خطأ على خطأ بيخليك تكون غير متأكد بنسبة أكبر من النتايج.

النقطة التانية في اللعبة دي تختص بالإدراك البشري وطريقة عمل العقل البشري من جهة فهم الإشارات اللي حواسنا بتستقبلها. إحنا مش كائنات دقيقة. إحنا كائنات تعمل بفعالية شديدة، والفعالية دي تتطلب أننا نكون تقريبيين، فكل حاجة بنعملها في حياتنا بتبقى تقريبية. والتقريب معناه أن فيه نسبة خطأ! فهم الإشارات اللي بنشوفها ونسمعها ونحسها بيبقى معتمد على تقريبها بالنسبة لخبراتنا السابقة. فيه فيديو كوميدي مشهور نسبياً لواحدة جابت لأبوها حاسب لوحي (tablet computer) هدية، فاستخدمه كلوح لتقطيع الخضار واللحوم وبقى بيغسله مع المواعين! دا مثال للفهم التقريبي للأشياء، وهو حقيقي جداً في معناه على الرغم من أنه ممكن يكون ماحصلش بالفعل. المعنى هو أن الأب فهم أن الشيء دا لوح تقطيع، لأن في خبراته السابقة مافيش حاسب شكله عامل كدا، وأقرب حاجة للشكل دا هي لوح التقطيع.

نفس الكلام ينطبق على الحاجة اللي بنسمعها. إحنا بنفهم المسموع في ضوء اللي نعرفه من قبل كدا. كمثال مشهور نسبياً برضه أذكر في مسرحية ”المتزوجون“ لما لينا قالت لنفيسة ”سوري يا نفيسة“ فالتانية اتضايقت وزعلت وقالت ”دي بتقول لي صرم يا نفيسة!“ دا بيتكلم عن نفس النقطة وهي أن في خبرات نفيسة السابقة مافيش كلمة اسمها ”سوري“ لكن فيه كلمة اسمها ”صرم“. مش كدا وبس... فيه حاجة كمان اسمها التأهب العقلي (Mindset) ودي الحالة اللي بنكون فيها وقت استقبال الإشارات وبتؤثر على فهمنا لها. نفيسة كانت غيرانة من لينا وزعلانة منها، فمتوقعة لينا تقول لها حاجة تضايقها، وبالتالي كلمة ”صرم“ جت مناسبة للتأهب العقلي بتاعها. كان ممكن تسمعها ”سوري“ زي ما بنقول في اللهجة المصرية على اللي موطنه سورية، وكان ممكن لو هي مصاحبة لينا—وفي ضوء أن المصريين مقتنعين أن الشوام أجمل في العموم—تفهم أن لينا بتقول لها أنها جميلة زي الشوام!

كل العوامل دي تفهمنا أن إدراكنا (perception) للي بنشوفه ونسمعه هو إدراك تقريبي. ومع التقريب فيه نسبة خطأ. ومع نسبة الخطأ، تراكم الخطأ ممكن يؤدي لخطأ أكبر وبعد تام عن المعنى المقصود أولاً. في اللعبة اللي اتكلمت عنها، طبيعي أنك تلاقي الكلمة في أول الصف قريبة من الكلمة الأصلية، أو تلاقيها هي نفسها الكلمة الأصلية، بينما قرب آخر الصف طبيعي أنك تلاقيها تغيرت، ومن النادر أنك تلاقيها زي ما هي.

إيه علاقة دا بالدين طيب؟ الحقيقة العلاقة وثيقة جداً!

الأديان الكبيرة في العالم حالياً كلها قديم، وأقربهم الإسلام وعمره ١٤٠٠ سنة وأكتر. في أول ظهور أي دين بيكون تناقل الكلام شفهي بالدرجة الأولى ومعتمد على التذكر، وخصوصاً أننا بنتكلم عن حاجات حصلت من وقت كان فيه التدوين المكتوب صعب ومكلف ومش متاح لمعظم الناس. وانتقلت التعاليم والحكايات والنصوص شفاهة لحد ما في وقت معين ابتدت تكون مكتوبة. كل دا طبيعي جداً ومنطقي وبديهي جداً. اللي غير بديهي بقى على الإطلاق هو أننا نعتبر أن الناس زمان كان عندهم ذاكرة فولاذية تسمح لهم بحفظ النصوص بشكل لا يرقى لمستوى الشبهات، وخصوصاً لما يكون فيه في التاريخ اللي وصلنا شبهات كتيرة بالفعل.

الذاكرة البشرية هي كمان تقريبية في معظمها، وحاجات قليلة جداً اللي بنبقى مركزين فيها لدرجة أننا نحفظها ”صم“ زي ما بنقول في العامية المصرية. أغلب اللي بنفتكره بيكون بالشبه، أو بنفتكر المعنى اللي وصل لنا في العموم، مش التفاصيل الدقيقة. مش كدا وبس... إحنا كمان ممكن نزود في اللي فاكرين نفسنا فاكرينه علشان يكمل الصورة اللي إحنا متعودين عليها. يعني لو كل يوم مثلاً بتعدي على طريق فيه شجر، وفي يوم قطعوا منه شجرتين تلاتة قبل ما تعدي عليه، ممكن جداً لو عديت عليه ماتاخدش بالك أن فيه حاجة متغيرة، ولو حد سألك لاحظت أي تغير ولا لأ تحلف له مية يمين أن الطريق زي كل يوم ما تغيرش فيه حاجة! عقلك بيكمل التفاصيل اللي أنت متعود عليها. الكلام دا اتعمل عليه تجارب بالعبيط، والنقطة دي تحديداً (إكمال الفراغات من خيالك) اسمها confabulation ومعروفة لأي حد درس شوية علم نفس. فيه ناس ضاع من عمرها سنين طويلة في السجون بسبب نقائص الذاكرة البشرية.

جميل لحد هنا؟ أنا عارف طبعاً أن فيه ناس مؤمنة إيمان تام أن ربنا بيحفظ كل حرف وكل نقطة (مع أن في الأول ماكانش فيه نقط) من التبديل، لكن الواقع والدلائل بتقول غير كدا الصراحة! الواقع بيقول لنا أن البشر بيغلطوا في الحفظ والاستذكار، وأنهم بيعملوا أخطاء في نقل النصوص المكتوبة كمان، وفيه عندنا مخطوطات قديمة للقرآن والكتاب المقدس بينها اختلافات تدلل على الكلام دا، يعني ربنا ماتدخلش بشكل معجزي علشان يمنع التبديل في كل حرف وكل نقطة، وإلا لو كان تدخل ماكانش حيبقى عندنا مخطوطات بينها اختلافات. العقل بيقول أننا نقبل أن الخطأ وارد، والأدلة على حدوثه موجودة بالفعل. مش كدا وبس!

دا إحنا عندنا أدلة من التاريخ المدون على أن كان فيه قراءات مختلفة ومفاهيم مختلفة لنفس النصوص حتى في العصور الأولى دي. يعني لو التاريخ المدون بيقول أن كان فيه قراءات مختلفة والتجربة والأدلة بتقول أن الخطأ وارد وبيحصل، فنبقى مجانين رسمي لو أصرينا على ان الكلام اتنقل بحذافيره من شخص لآخر على مدار مئات السنين لحد ما وصل لنا زي ما اتقال بالظبط بالظبط بدون ولا فتفوتة زيادة ولا فتفوتة ناقصة ولا فتفوتة متغيرة!

كويس لحد كدا؟ لا مش كويس خالص! لأن فيه ناس مقتنعة أن كل اللي وصل لنا في التاريخ المدون دا كلام فارغ مالوش لازمة! وفيه ناس أنيل بقى مقتنعة أن اللي يوافق عقلنا في القرن الواحد وعشرين هو بس اللي صح والباقي غلط! طيب مستند على إيه جنابك في هذا الرأي اللوذعي؟ مستند على أن ربنا ورسله مش ممكن يقولوا كدا أو يعملوا كدا. لا حضرتك مش ضروري أبداً على فكرة! دي رؤيتك الشخصية في القرن ٢١ لربنا ورسله، لكن مش دي أبداً بالضرورة رؤية الناس من ١٢٠٠ سنة مثلاً. إذا كان الكلام بيتغير في اللعبة بتاعة العيال دي في ظرف دقيقتين، يبقى أنت مقتنع أن الكلام من مئات السنين لسه مكمل زي ما هو؟ مقتنع يعني أن اللي أنت فاهمه النهارده هو اللي كانوا فاهمينه من ١٢٠٠ سنة والباقي دا دخيل وكدا؟ إيه دليلك طيب؟ مش يمكن أنت اللي فاهم غلط؟ أنت العيل اللي في آخر الصف يا برنس. أنت البعيد عن وقت الأحداث ومصدرها. أنت الناحية اللي الغلط عندها وارد أكتر بكتير. الناحية التانية هي الأصح، حتى لو كانت مش موافقة اللي سمعته بودانك!

عايز تعرف حصل تحريف مقصود ولا لأ؟ هات الناس اللي كانوا في الصف دول واستجوبهم واحد واحد. مش حتعرف؟ طالما مش حتعرف علشان ماتوا يبقى لازم تقبل فكرة أن الكلام دا كله اللي اتكتب من ١٢٠٠ سنة أصح من الأفكار اللوذعية اللي في دماغك النهارده. أنت العيل اللي في الآخر اللي على ما وصلت له كلمة ”شاورمة“ كانت بقت ”فراولة“، فماتجيش تقول أصل مش ممكن فلان يكون اختار ”شاورمة“ لأن دا معناه أنه ماعندوش مانع يدبح الحيوانات وياكلها وهو مش ممكن يكون بالقسوة دي. أنت سعادتك ماشفتوش عشان تحكم عليه، ومش حتعرف تجيبه علشان تسأله، وكونك نباتي وشايف أن الشاورمة دلالة على التوحش وانعدام الرحمة دا شيء مالوش دعوة مطلقاً باللي اختار كلمة الشاورمة في الأصل. أنت بتعمل إسقاط لشخصيتك عليه، ودا غلط منك مش عيب في كلمة الشاورمة ولا يطعن في صحتها.

ممكن سعادتك يكون عندك فهم مختلف بناء على المعرفة البشرية الحالية، وأنا مش شايف أي مشاكل في دا، لأني مقتنع أن البشرية من مئات السنين ما كانتش قادرة أنها تفهم اللي إحنا فاهمينه النهارده، لأن العقل الجمعي الإنساني بيتطور زي العيل الصغير اللي بيكبر، لكن فيه فرق ضخم جداً بين أنك تفهم النص في ضوء معرفتك النهارده (ودا أنا شايفه مقبول جداً) وبين أنك تنكر النص تماماً وتقول دا كلام فارغ ومالوش أساس من الصحة (ودا أنا شايفه استعباط). مبرر أنك تفهم النص في ضوء المعرفة الحالية قلته وشايفه منطقي جداً. لكن إيه مبرر أنك تنكر صحة النص تماماً؟ عرفت منين أن النص دا مدسوس؟ افتراضك أن النبي بتاعك كان فعلاً نبي دا مجرد افتراض مافيش عليه أي دليل. وأصلاً أساساً ماعندكش إثبات على أن ربنا موجود، ودا افتراض آخر. والصورة اللي في ذهنك عن ربنا وأنبيائه مش بالضرورة مطابقة للي حصل من مئات السنين. أنت لا يمكن بأي حال من الأحوال تقدر تكون متأكد من اللي حصل واللي كانت الناس فاهماه وشايفاه في الوقت دا، ولا حتى ربع متأكد. كل اللي تقدر تعمله أنك تعتمد على اللي وصل لك من التاريخ المكتوب، وعلشان تكذبه لازم يكون عندك دليل قوي، مش بس إحساسك المرهف.

أقرب نصوص وأقرب فهم لأصل أي دين هو الأقرب تاريخياً لنشأة الدين، ودي أنا حاسس أنها فكرة بديهية مش محتاجة مناقشة أصلاً، لكن مضطر أكتب تدوينة أطول من المجرة علشان أشرح فيها بديهيات لأن الناس بقت بتستهبل وفاكرين نفسهم كدا عندهم عمق وفلسفة وبتنجان. لا يا حبايبي! أنت لو عايز يكون لك فهم مختلف ١٠٠٪ للدين الفلاني أو العلاني فأنا ماعنديش أدنى مانع، بس اعمل لنفسك اسم مختلف لدينك الجديد لا مؤاخذة علشان مش هو دا اللي اتقال في أول الصف.

جدير بالذكر بقى—علشان أنا عارف فيه ناس حتجادل في النقطة دي—أن النصوص الأقدم هي الأثبت، لكن مع مقارنتها بالنصوص اللي من زمنها. يعني لو فيه نص من ٢٠٠٠ سنة ونص مختلف تاني من ١٥٠٠ سنة، يبقى الأقدم هو الأثبت. الإضافات بتتم في الزمن، وإحنا بنتحرك في اتجاه واحد في الزمن، فلازم الأحدث يكون هو اللي فيه الإضافة أو التعديل، مش الأقدم. لكن لو عندنا ١٠ نصوص أو مخطوطات كلهم من ٢٠٠٠ سنة وفيه واحدة منهم مختلفة بشكل كبير عن الباقيين، ساعتها حناخد بالأغلبية، مع عدم إهمال الواحدة دي تماماً. ممكن بقى تعتبرها رأي غير شائع أو هرطقة أو بدعة أو حتى دين منافس. براحتك! بس مش حتقدر تقول أن التسعة غلط وهي دي اللي صح. ولو فيه فروق بسيطة بين العشر نسخ، فدا شيء طبيعي ومتوقع في نسخ المخطوطات. طالما المعنى العام واحد فالمفروض ماعندناش مشكلة.

دا طبعاً غير التاريخ المدون اللي ممكن يكون بيدعم رأي ما أو بينقضه. دا شيء مختلف عن المخطوطات اللي فيها النصوص الدينية. دا متعلق بفهم الناس وسلوكهم المبني على الفهم دا، ودا مهم جداً لأن اللغة البشرية الطبيعية ممكن فهمها في العموم على أكتر من وجه واحد. يعني لو فيه نص بيقول ”لو كان لك عند الكلب حاجة قول له يا سيدي“ وفيه حكاوي أن الناس كانت فعلاً بتروح للكلاب اللي هي حيوانات ذات أربع فعلاً (مش الناس الكلبين يعني) وتقول لهم ”يا سيدي“ فمضطرين نفهم أن الفهم الأساسي كان فهم حرفي مش فهم مجازي، وبما أن دول الأقرب لأول الصف يبقى الفهم الحرفي هو الفهم الأصح والأقرب للمقصود بالكلام أصلاً.

فبكل تأكيد يعني... العقل يقول أن النصوص التاريخية في فهم حاجة عمرها مئات السنين أهم بكتير من الحبشتكانات اللي جنابك بتخترعها النهارده. ودا لا يحرمك من حقك في الحبشتكة بس ماتجيش تبيض علينا وتحاول تقنعنا أن الناس اللي كان بينهم وبين الحدث ٢٠٠ سنة هم اللي كانوا بهايم ومش فاهمين وأن أنت اللي بينك وبين الحدث أكتر من كدا بمراحل فشيخة كشفت الملعوب بقى ووصلت للب الحقيقة وأنقذت البشرية. سمي حبشتكاناتك سوسن أو فريدة أو جمالات براحتك خالص، بس دي مش هي الدين اللي بتتكلم عنه. بلاش عك وتمييع وكلام فارغ. سميها دين الإنسانية، سميها دين الحب، سميها دين شوكي حتى... اللي يعجبك... بس ماهيش نفس الدين اللي وصلتنا نصوصه. سميها حاجة مختلفة لأنها فعلاً حاجة مختلفة. وأنا فعلاً مع حق كل واحد في أنه يعتنق ما شاء من الأفكار، بس مش مع أي حد في أنه يسمي الشجرة حرنكش مثلاً ولا أنه يسمي العصفور فيل. ما ينفعش!! ما ينفعش!! ما ينفعش!! تسمية الأشياء المختلفة بأسماء مختلفة من أبسط قواعد العقل.

الكلام مش موجه لأتباع دين بعينه. الكلام ينطبق على كل دين قديم من مئات السنين. الرجوع للأصل مش تخلف لا مؤاخذة. دا عقل، وعقل جداً كمان. الأصولية في الدين مطلوبة إلى حد ما، على الأقل خالص في حدود قبول النصوص التاريخية اللي وصلت لنا واعتبار (وليس بالضرورة قبول) الفهم التاريخي لها. التجديد ممكن يبقى في الفهم فقط، وطبعاً الفهم لازم حيبقى محكوم بالنص إلى حد كبير برضه.

وتذكر عزيزي القارئ: أنت العيل اللي في آخر الصف. أنت اللي وارد جداً تكون واصلة له صورة مشوهة، بغض النظر عن اتفاقها مع منظورك للأمور من عدمه. أنت اللي الغلط عندك وارد أكتر، مش الناس بتوع زمان. أنت اللي ممكن يكون عندك تخيلات غير حقيقية عن واقع أنت لا عشته ولا تعرف عنه أكتر من المكتوب اللي وصل لنا. أنت بتاع الحبشتكانات، مش بتاع أصول الدين.


نسب المصنفات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق