بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 25 أكتوبر 2012

العلم و الإيمان

هناك حدود فاصلة بين هذا وذاك ومن لا يدركها قد ينخدع متخذاً الغباء على أنه إيمان وفضيلة، أو ينخدع متخذاً الكفر المطلق على أنه رمز الذكاء والعبقرية والعلم، والحقيقة ليست هذا ولا ذاك.

الإيمان كالعلم هو تصديق بفكرة معينة. الفرق بين الاثنين أن الإيمان تصديق في غياب الدليل والعلم تصديق فقط في وجود الدليل. أي أن الدليل هو الحد الفاصل بين العلم والإيمان. في المنهج العلمي، وجود الدليل على فكرة أو شيء يوجب تصديقها أو على الأقل تصديق احتمال صحتها أو وجودها، وانتفاء الدليل على فكرة أو شيء ليس في حد ذاته دعماً لرفضها ولكنه بكل تأكيد لا يبرر بأي شكل من الأشكال التصديق بها أو أخذ احتمال صحتها في الاعتبار أو الحسبان.

ونرى في الصورة المجاورة العلاقة بين وجود أو عدم وجود الدليل والتصديق. ويجب عند تفسير هذه الصورة ألا يُفَسَّر عدم التصديق على أنه الرفض أو الإنكار. هناك مرحلة بين التصديق وبين الرفض تسمى الشك، والإنسان الطبيعي يشك في العديد من الأشياء من حوله. عدم التصديق لا يعني الإنكار التام وكذلك عدم الإنكار لا يعني التصديق التام. ومن الصورة نرى أنه في وجود الدليل فإن التصديق يعد منهجاً علمياً وعدمه يعد غباء، وفي غياب الدليل فإن التصديق يعد إيماناً وعدمه يعد فطرة طبيعية. ونرى أيضاً أنه في وجود الدليل فإن العلم والإيمان لا يجتمعان، وفي غياب الدليل فإن الفطرة والغباء لا يجتمعان. في رأيي أن الفطرة لا تنطوي على الغباء وإلا لانقرض الجنس البشري منذ زمن طويل. فيا سادة يا كرام... إن كان عند أحدكم دليل على شيء فلا يحسب اقتناعه به وتصديقه إيماناً، بل هو عقل سليم يتبع المنهج العلمي، ولو رفض العقل التصديق في وجود الدليل لكان العقل معتلاً. وإن وجد عند أحدكم دليل على شيء فصدق عكسه وآمن به فما هو إلا غبي وليس مؤمناً.

غير أن التعريفات التي سبق فذكرتها تنطبق في حالة وجود دليل منفرد غير مدحض. أما في حالة وجود أدلة متضادة على الشيء وعكسه، فإن هذه التعريفات لا تستقيم بصورة مطلقة، فإن قَوِيَ الدليل على أمر ما وضَعُفَ الدليل على عكسه يمكن قبول هذه التعريفات، أما إن كانت الأدلة لا ترجح الشيء أو عكسه بقوة فإن حالة الشك تجمع بين كل هذه التعريفات ولا يصير التصديق مطلقاً ولا الإنكار مطلقاً أيضاً. وعند اختلاف الأدلة وتعددها نلجأ إلى المنطق والبحث المنهجي لفرز الأدلة الزائفة من الحقيقية حتى يمكن تكوين رأي موضوعي ومنطقي بخصوص محل الجدال.

هناك من يؤمن بوجود الله في غياب الدليل على وجوده، وهذا حسن ومقبول ولا يتعارض مع العلم ولا العقل ولا المنطق، لأن ’غياب الدليل على الشيء ليس دليلاً على غياب الشيء‘ أو كما يقول الفرنجة Absence of evidence is not evidence of absence، أي أنه لو لم يوجد دليل على وجود الله فهذا ليس دليلاً في حد ذاته على عدم وجود الله، ولكن إن وجد الدليل على عدم وجود الله، فالتصديق بعكس ذلك مخالفة للدليل ليس إلا غباء. والواقع أن الأدلة بخصوص وجود الله أو عدم وجوده لا ترجح أحد الرأيين على الآخر، وبالتالي لا أرى في الإيمان بوجوده أو عدم وجوده مشكلة عقلانية على الإطلاق. ليس من يؤمن بوجود الله غبياً ولا من يكفر بوجوده غبياً.

وهذا يقودنا إلى حوار من نوع آخر، وهو ماهية الدليل. الواقع أن ماهية الدليل تختلف بين الأشخاص بحسب مفاهيمهم وعلمهم ومستوى ذكائهم وإدراكهم. إن وُجِد شخص ملقًى على الأرض بلا حراك ولا يبدو أنه يتنفس، فقد يعتقد الإنسان المتوسط أن ذلك الشخص ميت مستدلاً بما رآه، بينما لا يقتنع الطبيب إلا بعد أن يفحص ذلك الشخص فحصاً دقيقاً ليتأكد من غياب علامات الحياة. وقرأنا في التاريخ أنه في أوقات الأوبئة كان الناس يعتقدون أن منهم من مات وهو ما زال حياً فيدفنونه، وعندما اكتشفوا ذلك صاروا يربطون حبلاً صغيراً بإصبع المدفون ويربطون طرفه الآخر في جرس، حتى إذا حرك إصبعه دق الجرس فأدركوا أنه ما زال حياً وأخرجوه.

ما أعنيه أن ما يعد دليلاً يختلف بين الأشخاص وهذه هي طبيعة الحياة. والحديث عن الدليل وتحقيقه يستحق مقالاً أو أكثر يفرد له. تكمن المشكلة في أن البعض من ذوي الذكاء العالي والفطنة والعلم يعتبرون الإيمان دليلاً!!!! كيف للإيمان أن يكون دليلاً وهو في تعريفه يعني غياب الدليل؟ مثل هؤلاء يرفضون أن يكون إيمانهم بفكرة ما خاطئاً، فيتخذون منه دليلاً على ما يخالفه ويعارضه من أدلة. هم يعانون من حالة من الإنكار يتعامون فيها عن المنطق و الدليل ويتشبثون بالإيمان الخلي من الأدلة. فهنيئاً لهم بما يستغبون أنفسهم.

أما أنا فعلى أتم استعداد أن أنكر الإيمان بأي فكرة إن وجد الدليل على عكسها ولم يوجد دليل يعضدها، ولا أرى في هذا أية مشكلة، لأني لا أريد أن أكون غبياً بمحض إرادتي. فيا أيها المؤمنون لا تختاروا أن تكونوا أغبياء. ويا أيها الأغبياء لا تظنوا أنكم مؤمنون.


نسب المصنفات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق