بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 مايو 2012

هل يطالب الأقباط بتطبيق الشريعة الإسلامية؟

هذا المقال هو أحد مجموعة من المقالات تختص بنقاش موضوعات إسلامية بشكل أو بآخر. ستجد في هذا الرابط قائمة بالمقالات المتاحة.

فكرت كثيراً قبل أن أكتب هذه المقالة القصيرة وانتهى رأيي إلى ضرورة التعريف والتوعية بهذه المسألة لأنها الشغل الشاغل للأقباط في الوقت الحالي، وذلك لسيطرة التيار الإسلامي السياسي على الساحة السياسية، ولاقتراب جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة في مصر، ورأيت أنه من الواجب علي أن أعرض نقاطاً مهمة خاصة بسماحة الإسلام، وبالأخص الشريعة الإسلامية التي تنادي جماعة الإخوان المسلمين بتطبيقها. بالإضافة إلى ذلك فإن الإخوان المسلمين يتبنون مشروع الخلافة الإسلامية، وهو قائم على وجود خليفة للمسلمين يقود الأمة الإسلامية التي ستشمل كل البلاد ذات الأغلبية المسلمة، وفي تلك الحالة ستكون مصر ولاية من الولايات الإسلامية وليست دولة مستقلة. كل هذه المشروعات المحددة بالدين الإسلامي كدافع وطابع مميز لها أثارت قلق وخوف غير المسلمين، وأخص الأقباط بالذكر لأنهم الأكثر عدداً في مصر ولأنني قبطي. وفي المقابل أكد إخوتنا المسلمون في مصر أنهم والأقباط مواطنون في دولة واحدة عاشوا سوياً سنين طويلة في سلام ووئام، وأكدت جماعة الإخوان المسلمين أن الأقباط لهم حقوق المسلم وعليهم واجباته وأن من حقهم الاحتكام لما جاء به الإنجيل فيما يخصهم. فهل من شأن هذه التصريحات طمئنة الأقباط؟ هذا ما أناقشه في هذه المقالة.

سأبدأ بالتعريفات والمفاهيم الأساسية لكي لا تختلط الأمور على القارئ ولكي أعرض الأفكار بشكل مرتب.

(أحكام) الشريعة الإسلامية

  • من حيث الثبوت: الأحكام قطعية الثبوت هي الأحكام الواردة بالتواتر من جيل إلى جيل مما يجعل تغييرها مستحيلاً لانتشارها، وتشمل نص القرآن والأحاديث المتواترة. الأحكام ظنية الثبوت هي ما وردت من دون تواتر مثل أحاديث الآحاد، ولا يعتد بالأحاديث إلا إن كان راويها مصدر ثقة طبقاً لعلم الجرح والتعديل، والدليل على ثبوتها قوي غير أنه ليس مؤكداً.
  • من حيث الدلالة: إذا كان لفظ الحكم لا يمكن أن يحتمل أكثر من معنى واحد فهو حكم قطعي الدلالة، وإذا كان يحتمل أكثر من تأويل أو معنى فهو ظني الدلالة.

مبادئ الشريعة الإسلامية

وضعت عبارة ’مبادئ الشريعة الإسلامية‘ في دستور ١٩٢٣ الذي كتبه المستشار عبد الرازق السنهوري، واختلف القانونيون على معناها، فمنهم من فسرها على أنها مقاصد التشريع ومنهم من فسرها على أنها المبادئ العامة الكلية في التشريع غير المرتبطة بحكم معين، مثل ’لا ضرر و لا ضرار‘، ووضحت المحكمة الدستورية العليا في جلستها بتاريخ ١٨ مايو ١٩٩٦ أن المقصود بمبادئ الشريعة الإسلامية الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وعددها أقل بكثير من الأحكام كلها.

عقيدة الولاء و البراء

وهي من أهم المبادئ في العقيدة الإسلامية (انظر المرجع)، ومعناها الولاء لله ورسوله والمؤمنين (أي المسلمين) والبراء (أي التبرؤ) من كل من حادَّ (أي خالف) الله ورسوله واتبع سبيل غير المؤمنين. ولا تمنع هذه العقيدة من البر بغير المسلمين ولا التصدق عليهم، كما لا تعني ظلمهم ولا الامتناع عن قبولهم في المجتمع الإسلامي والتعامل معهم بالبيع والشراء، ولا تمنع من مهاداتهم وقبول الهدية منهم. إلا أنها تمنع المسلم من الود لغير المسلم ومحبته، وتمنعه من نصرة غير المسلم على المسلم، ومن تنصيب غير المسلمين أولياء أو حكاماً على المسلمين، ومن اتخاذ غير المسلمين أصدقاء وأصفياء.

المذاهب الفقهية الأربعة

لا يوجد اجتهاد في الأحكام قطعية الثبوت والدلالة، ويطلق عليها أيضاً ما هو معروف في الدين بالضرورة، ولكن باب الاجتهاد مفتوح أمام الأحكام ظنية الدلالة. وهناك أئمة أربعة عاشوا في القرنين الأولين للإسلام كانوا علماء وفقهاء واجتهدوا في تفسير ظني الدلالة، وذهب المسلمون في أرجاء الأرض على اختلافها مذاهب هؤلاء الأئمة في تحديد أحكام الشريعة. والأئمة هم أبو حنيفة النعمان (المذهب الحنفي وأتباعه يسمون الحنفية) ومالك ابن أنس (المذهب المالكي وأتباعه يسمون المالكية) ومحمد بن إدريس الشافعي (المذهب الشافعي وأتباعه يسمون الشافعية) وأحمد بن حنبل (المذهب الحنبلي وأتباعه يسمون الحنابلة). ولا تختلف المذاهب كما أوضحنا إلا في الأحكام ظنية الدلالة، وهي كثيرة.

المواطنة

هي الانتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط اجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة معينة (انظر المرجع). والمواطنون في نفس البلد تنطبق عليهم قوانين واحدة ويكونون متساويين في الحقوق العامة والواجبات العامة مساواة تامة تسمح لهم بالمشاركة بفعالية في كل جوانب الحياة في المجتمع.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

صدر هذا الإعلان (هذا نصه) من الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية في ديسمبر عام ١٩٤٨ ونص على الحقوق الأساسية التي يجب أن يحصل عليها كل إنسان يولد على وجه الأرض، وهي في عمومها تضمن للإنسان الحرية (في الفكر والتعبير والدين) والكرامة وترفض التمييز العنصري وتطمئن الإنسان على حقه في الحياة والزواج والتملك والعمل والراحة والتعلم، وحقه في التنقل والتجنس، وتمنع الرق والاعتقال والتعذيب، وتحدد الديمقراطية أساساً للحكم. أقرت مصر بموافقتها على مبادئ حقوق الإنسان عند إعلانها!

وأنا أرى أن تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان ويمايز بين المواطنين على أساس الجنس والديانة، وأرى أن تطبيق أحكام الشريعة سيزيد من هذا التعارض والتمايز، ولن ينتج عنه إلا جعل غير المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية أو إن جاز التعبير ضيوفاً في أرض المسلمين وتحت حمايتهم، ولا يأمر الإسلام المسلمين أن يقاتلوا من سالمهم أو عاهدهم، ولا أن يظلموهم، ولكنه حتماً لا يساوي بين المسلم وغيره ولا يتفق مع المساواة التامة ولا العدل التام.

وفيما يلي مظاهر الممايزة:

من جهة الأحكام قطعية الثبوت و الدلالة

وهو المعمول به في مصر حالياً طبقاً للمادة الثانية من الدستور.

التمييز الديني:

  • يحق للرجل المسلم أن يتزوج المرأة الذمية ولا يحق له أن يتزوج المرأة الكافرة من غير الذميين. ولا يحق لغير المسلم أن يتزوج المسلمة.
  • أبناء الرجل المسلم مسلمون بالضرورة، حتى وإن كانت أمهم غير مسلمة.
  • إذا أسلم أحد الأبوين فإن الأبناء يتبعون ’أعلى الأبوين ديناً‘ وبما أن الإسلام في الشريعة الإسلامية هو الدين الأعلى فالأبناء يصيرون مسلمين بالتبعية وبالضرورة إن كان المسلم الأب وليس بالضرورة إن كانت الأم.فمتى بلغوا يخيرون بين البقاء في الإسلام أم الخروج منه. فالإسلام أعلى من أي دين آخر.

التمييز الجنسي:

  • للرجل أن يتزوج أربع نساءعلى الأكثر ولا يمكن للمرأة الزواج من أكثر من رجل في نفس الوقت. وترث النساء أقل من الرجال. غير أن هذا أمر يخص المسلمين تحديداً ولا يخصني كقبطي، ولا شأن لي به طالما ارتضوه.

من جهة باقي أحكام الشريعة:

وهو ما سيتم العمل به حال تطبيق الشريعة الإسلامية كما يريد الكثير من المسلمين، وإن استبدلت كلمة ’مبادئ‘ بكلمة ’أحكام‘ في المادة الثانية في الدستور أو إن حذفت كلمة "مبادئ" تماماً.

  • ليس من حق المسلم أن يغير دينه (يرتد عن الإسلام) وإن ارتد يُستَتَب وإن لم يتب يقتل. وفي هذا الشأن يقول الشيخ القرضاوي (انظر المرجع) أن الردة تعادل في الإسلام الخيانة العظمى بتغيير الولاء لأمة أخرى، وعليه فإن الإسلام يجعل من الدين أساساً للمواطنة كما سأذكر لاحقاً.
  • لا تقبل شهادة من غير المسلم على المسلم إلا في الوصية في السفر. أي إذا سافر مسلم و أشهد غير المسلم على وصيته في سفره ثم وافته المنية في السفر فحينئذ فقط تقبل شهادة غير المسلم وفقط إذا لم يكن هناك شهود مسلمين وفقط عند الحنابلة، أما في باقي المذاهب فلا تقبل. وفي غير هذه الحالة لا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم إطلاقاً بإجماع الأئمة. أما شهادة غير المسلمين على بعضهم فلا تقبل إلا عند الحنفية ولا تقبل عند باقي المذاهب.
  • دية الذمي والكافر المعاهد لا تساوي دية المسلم إلا في المذهب الحنفي. وعند المالكية والحنابلة دية الذمي والكافر المعاهد نصف دية المسلم. وعند الشافعية دية الذمي ثلث دية المسلم ودية الكافر المعاهد ثلثا عشر (أي جزء من ١٥) دية المسلم. والراجح هو الرأي الثاني. والكافر غير المعاهد لا دية له.
  • على غير المسلم أن يدفع جزية لبيت مال المسلمين في مقابل حماية المسلمين لأرضه، وليس له أن يحارب مع جيش المسلمين. ومع تطور الزمن قال الفقهاء أن الجزية تسقط باشتراك غير المسلم في الدفاع عن دار الإسلام، ولكن هذا الشأن متروك بيد ولي الأمر من المسلمين، فإن لم يقبل اشتراك غير المسلمين مع المسلمين في الحرب وجبت عليهم الجزية. وتحديد قيمة الجزية متروك لولي الأمر ولا حد أقصى لها (انظر المرجع).

مشاكل فكرة الخلافة الإسلامية

فكرة الخلافة تجعل الدين الإسلامي هو الرابط الأساسي للأمة وهو أساس المواطنة، وتغلب مصلحة الأمة الإسلامية على مصلحة الولايات الخاضعة لها، وهي فكرة كانت مقبولة في عصر الإمبراطوريات وغير مقبولة على الإطلاق في عصرنا الحالي. المصالح المشتركة والسمات العامة لأهل الوطن الواحد تحكمها الحدود الجغرافية أكثر من أي شيء آخر على الإطلاق، فكل الموارد في الأرض والبحر والسماء و كذلك الطقس تعتمد على الجغرافيا وليس على أي عامل آخر، وتلك الموارد هي التي تحدد ازدهار مجتمع ما من عدمه، وهي التي تحدد كيفية العيش في هذا المجتمع.

الفكر النازي جعل من الأصل العرقي الرابط الأساسي الذي أرادت ألمانيا النازية أن تبني عليه إمبراطورية لها في أوروبا، وكانت النازية تنظر للجنس الآري على أنه أرقى أجناس الأرض. لا أري في فكرة الخلافة إلا صورة من الفكر النازي مع استبدال ’الجنس الآري‘ بالدين الإسلامي. والخطورة هنا تكمن في أن سكان نفس المنطقة الجغرافية الواحدة يتم تقسيمهم إلى درجة أولى راقية ودرجة ثانية أدنى، مع أن الكل يشترك بنفس المقدار في استغلال الموارد والحفاظ عليها. ثم إن إعلاء مصلحة الدرجة الأولى من السكان على مصلحة المنطقة الجغرافية فيه ظلم بين للدرجة الثانية من السكان. تخيل مثلاً لو قسمنا الشعوب إلى درجة أولى هي الفلاحون ودرجة ثانية هي الباقون، ومايزنا بين الطبقتين في الحقوق والواجبات، وكلنا نعلم أنه ما من شعب يتمكن من البقاء بدون فلاحين. ماذا سيكون شعور الآخرين وهم يعملون وينتجون ولهم أهمية في المجتمع مثل الفلاحين؟ وماذا إن فُرِضت على الباقين ضريبة (وأقول ضريبة وليس تبرعاً) تستخدم في إغاثة فلاحي إثيوبيا الذين تضرروا من الجفاف؟

وفي الخلافة لا توجد ديمقراطية، وإنما توجد شورى. الشورى في الإسلام لازمة وتوجب استماع ولي الأمر لمشيريه (ويطلق عليهم أهل الحل والعقد) وفيها رأيان. الرأي الأول وهو قديم أن الشورى غير ملزمة لولي الأمر، فحتى إن أجمع المشيرون على رأي ثم رأى ولي الأمر خلافه فإن له أن يفعل ما رآه صالحاً. والرأي الثاني جديد وقد ورد عن الشيخ القرضاوي (انظر المرجع) ويقول إن الشورى ملزمة لولي الأمر إذا كان فيها إجماع من مشيريه. وهذه النقطة موضع اجتهاد واختلاف، والنهاية فيها أن ولي الأمر قد لا يأخذ برأي أهل الحل والعقد. وفي جميع الأحوال، فإن غير المسلمين محرومون من المشاركة في أمور الدولة، فأهل الحل والعقد مسلمون بالضرورة.

لقد انتهى عصر الإمبراطوريات بالحربين الأولى والثانية ثم ثورات التحرير في مختلف بقاع العالم. المصالح الآن وكذلك المواطنة تحكمها الحدود الجغرافية ومعظم الدول تؤمن بحقوق الإنسان والمساواة التامة وتطبق ما تؤمن به. وأنا أرفض رجوع عقارب الساعة للوراء والانتقاص من حقي كمواطن مصري.

الخاتمة

أقدر سماحة الإسلام إلا أنني صاحب بيت ولست ضيفاً ولا أتوقع سماحة وعطفاً بل أتوقع حقوقاً وواجبات مساوية لباقي المواطنين. على من يريد تطبيق الشريعة بكل أحكامها أن يتحلى بالشجاعة الأدبية الكافية ويقول صراحة إن فيها تمييز ضد غير المسلمين، لا إنها العدل بعينه وإن ”النصارى لن يعيشوا في أمان إلا تحت مظلة الشريعة الإسلامية“. النصارى وغيرهم ومنهم مسلمون يعيشون في أمان وسعادة ورخاء وحرية في بلاد لا تطبق شريعة الإسلام وأغلب سكانها من غير المسلمين، والفضل يرجع للمساواة التامة في الحقوق والواجبات. لا تتلاعبوا بالألفاظ وتخفوا ما تريدون من حقائق وتبدوا ما تريدون.

أما الاحتكام للإنجيل في أمور الأقباط فلا يشمل سوى الأحوال المدنية والتي لا تفرق فيها الكنيسة بين رجل وامرأة.

فعلى كل قبطي أن يدرك مدى الضرر الذي سيلحق به كمواطن من جراء تطبيق أحكام الشريعة، وعلى كل مسلم أن يتحلى بالصدق والشجاعة فيعترف بكل ما يعنيه تطبيق الشريعة، فهي ليست فقط حد السرقة والزنا ولا تحريم الخمر. لا يعترض الأقباط على الشريعة لأنهم سارقون أو زناة أو سكيرون، بل لأنهم مواطنون يحبون وطنهم مصر ويريدون أن يعيشوا فيه كرماء متساوين بإخوتهم المسلمين. وعلى الداعين لتطبيق الشريعة أن يقولوا لنا صراحة إننا سنُظلَم بها أو أن يضمنوا لنا حقوقنا كمواطنين مساوين لهم، وفي هذه الحالة سيضطرون لمخالفة بعض أحكام الشريعة. وللحديث بقية عن الفرق بين الواجبات والالتزامات والمزايا المكتسبة الدينية وبين الواجبات والحقوق المدنية لأن الأمر مختلط على كثيرين.

رجاء لمن ينوي التعليق على هذه المقالة ألا يحدثني عن سماحة الإسلام أو الهدف من وراء الممايزة بين المسلم وغير المسلم أو بين الرجل والمرأة. أنا أعلم أن في الإسلام سماحة وأن لكل شيء هدف، وأنا لا أتحدث عن هذا أو ذاك، وإنما أطلب أن أكون متساوياً تماماً في الحقوق والواجبات المدنية مع أخي المسلم في نفس الوطن كما هو الحال في معظم بلاد العالم المتحضر، وكما هو حال المسلمين في الكثير من البلاد ذات الأقليات الإسلامية.


نسب المصنفات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق