بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 نوفمبر 2013

تعدد الزوجات في الإسلام

هذا المقال هو أحد مجموعة من المقالات تختص بنقاش موضوعات إسلامية بشكل أو بآخر. ستجد في هذا الرابط قائمة بالمقالات المتاحة.

قرأت مقالاً عن تعدد الزوجات في الإسلام لأحد مستخدمي تويتر الذين اتابعهم إعجاباً بآرائه غير التقليدية، و هو مسلم، و لذلك قرأت مقاله بعناية محاولاً أن أستوعب نظرته المختلفة و الحضارية إلى مسألة تعدد الزوجات في الإسلام، و النص الكامل للمقال موجود في هذا الرابط. و في حالة عدم تمكن القارئ من الوصول للنص على موقع الفيسبوك، فقد أخذت نسخة من النص أعرضها هنا دون أدنى تغيير، ثم أعلق عليها بوجهة نظري الخاصة.

"وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ " النساء (3)
هذه الأية التي يتخذها المفسرون كدليل على التعددية المشترطة بأربعة زوجات وبعضهم قال تسع والبعض الاخر قال ثمانِ عشرة زوجة .
الواضح أن تلك الآية القرآنية هي مثار جدل على مدار الأعوام والسنوات الماضية ولكن لماذا لا ننظر لها بعيدا عن تلك النظرة التي نظرها لها السلف من المفسرين الذين كان لهم اجتهادهم في رؤيتها هكذا !!
لكي نفهم تلك الآية يجب أن نقف على أمرين :
الأول منهما هو سبب نزول تلك الأية ، فسبب نزول تلك الآيات من سورة النساء هو كون النساء فقدت عوائلهن في غزوة أحد فكثير من النساء أصبحن أرامل وأصبح أولادهن يتامى ..
الثاني : من يخاطب الله في تلك الآيات ؟
الله يخاطب المجتمع لكي يراعي حقوق اليتامى والأرامل وليس للزواج بمطلق عام ..
ولننظر إلى الآيات يقول تعالى :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "
يستهل الله السورة بالدعوة إلى تقواه ، لأنه خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، ويدعو الله إلى صلة الرحم ، فالله يبدأ السورة بآية ذات غرض إنساني بحت لكي يحث الناس على التقوى وصلة الرحم في علاقة إنسانية ولا أروع .
ثم يكمل الله كلامه في الآية الثانية قائلا :
"وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا "
الله يتحدث عن اليتامى ويأمر الناس بأن يأتوا أموالهم وعدم أكلها ، وألا يسرقوها وأن يرعوا هؤلاء اليتامى الذين خرجوا إلى المجتمع بسبب ما حدث من موت العائل سواء في غزوة ( كغزوة احد وقتها ) أو وباء أو حادثة ، فالأمر نوعا من التكافل الاجتماعي وكفالة اليتيم ، ثم يكمل الله تعالى في الآية التي حملت الاختلاف في فهمها وقبل أن نبدأ فيها يجب أن نرسي قواعد هي :
أولها أن الشرع في القرآن عندما تعرض لبعض الأمور الإجتماعية كقضايا المرأة، لم يكن الهدف هو هدم كل الأعراف الاجتماعية بل إصلاح ما اعوج منها فقط، لذا فسكوت التشريع عن بعض الأمور الاجتماعية هو إقراراً بتوافقها مع سنة الله في خلقه فلا حاجة لتبديلها.
وثانيها أن النبي هو الأسوة الحسنة للمؤمنين، لذا تأويل أن النبي له شرعة خاصة به وحده في الزواج أمر غير مقبول شرعاً ولا عقلاً، فكيف بداعية لا يعطي الأسوة لما يدعو إليه؟
وثالثهما أن الفكر السلفي المغلوط عن ملك اليمين أنها تنكح بغير زواج نتج عن تفسير خاطئ للعدد في تلك الآية، فالأمة تنكح زواجاً وبمهر.
ورابعهما أن الله تعالى يخاطب المجتمع بأكمله في هذه الآية، لعلاج مشكلة مجتمعية ظهرت بعد وفاة الكثير من أفراد هذا المجتمع وبالتالي فقدت زوجاتهم وأولادهم العائل الوحيد للأسرة، ومن ثم تفاقم هذا الوضع قد يؤدي إلى مشكلات أكبر نعاصرها نحن الآن من انحراف أخلاقي وضياع للذرية والنسل بسبب غياب العائل للعديد من الأسباب.
ولننظر هنا إلى الآية القرآنية التي تقول :
"وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ "
نزول تلك الآية ليس لتعدد النكاح ( الزواج ) كما هو متعارف أو كما سيق لنا على مدار العصور الماضية ، وليس بعدد محدد كما في الآية أو كما اتفق جمهور العلماء والمفسرين القدامى والحاليين لأمور عديدة سوف أتعرض لها تدريجيا :
مبدئيا اتفقنا أن الآيات كانت نزولا لكفالة اليتيم وأن يأتوا اليتيم حقه ولا يأكلوا مال اليتيم ، والسؤال هنا مَن هو اليتيم ؟
اليتيم هو كل إنسان ( ذكرا كان أو أنثى ) لم يبلغ سن البلوغ ، فقد والده ، بينما مَن فقد أمه فهو ( لطيم ) حسنا من أين علمنا أنه حتى يبلغ أو تبلغ سن البلوغ يكون يتيما لأنه في الآية السادسة من سورة النساء يبلغنا بأنهم يتامى حتى يبلغوا سن النكاح ، بينما اليتيم هو يتيم الأب كما قال الله في سورة أخرى وهي سورة ( الكهف ) الآية (82) يخبرنا أن اليتيمين كانا قد فقدا والدهما ، وقلنا أن من يفقد أمه فهو لطيم ..
هذه المقدمة عن من هو اليتيم وما الفرق بينه وبين اللطيم هو ما يقودنا تدريجيا إلى ما نراه في خطاب الله لنا في الآية : يستهل المشرع الآية بقوله ( وإن خفتم ) ، يبدأ الله الآية بأسلوب شرط قائلا إن خفتم ( إذا شعرتم بالخوف في ماذا ؟ ) في أن تقسطوا اليتامى ( في أن تعدلوا في اليتامى وأن تراعوهم حق الرعاية ، فهذا اليتيم يستحق رعاية كاملة منك كعائل له ، وإنك لن تأخذه من أمه لأن هذا يخالف ما في الآية الأولى من مراعاة صلة الرحم والتي استهل الله بها السورة بعد ذكر تقواه ..
فكيف يكون الحل أن تقسط ( تعدل إلى اليتامى فاقدي الأب ) أعطى الله الحل في تلك الفترة وهو بأن تنكح ( تتزوج ) ما طاب لك وليس ما شئت ( أي أن الأمر قاصر على تلك الزوجة الأرملة ذات الأطفال اليتامى ) أي أن تكون زوجتك هي الأرملة التي فقدت زوجها وعائلها ولها أطفال يتامى وأن تكفلت أن ترعاهم ، ثم نسأل ما هو النكاح ؟
النكاح كما اتفق الجميع هو الزواج ، والسؤال هنا هل هو بوطء أم دونه ؟
النكاح هو الزواج دون وطء ، فنكح فلانة أي تزوجها واستنكح فلانة أو زوجها ، فلا وجود للوطء هنا . بل هو كما معروف اشهار الزواج وأن فلانة أصبحت زوجة لفلان أي فلان أصبح عائلها ، الخلاصة النكاح هو عقد الزواج ..
ثم يكمل المشرع قائلا ( مثنى وثلاث ورباع ) لم يقل المشرع ( اثنين وثلاثة وأربعة ) !!
فما الفرق بين مثنى وثلاث ورباع وبين اثنين وثلاثة وأربعة ؟
دعني أخبرك آية أخرى في القرآن الكريم فيقول الله :
" الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "
الآية السابقة أولها المفسرون على أنها عدد غير محدود من الأجنحة، فالله يزيد في الخلق ما يشاء، لأن مثنى وثلاث ورباع تعني مضاعفات الأعداد إثنان وثلاثة وأربعة، ولكن عندما أولوا نفس المعنى في سورة النساء قصروها على عدد محدود وهذا يدعو للتعجب حقاً.
فالفرق بين مثنى واثنين مثلا هو أن مثنى هو مضاعفات العدد اثنين والتكرار وهو أن الله لم يشترط عدد محدد في كفالة اليتامى ( وأمهاتهم الأرامل )
نقطة أخرى هي كون الله قال لك مثنى وثلاث ورباع ، فالأمر هنا ليس جمعهم مع بعضهم البعض بل هو أنه لا يتم جمعهم سويا .. كيف هذا ؟
حينما أسأل إنسان كم رداءا لديك ؟
يخبرني إن لديه ثلاثة مثلا ولا يقول ثلاث .. وإن سألته كيف يرتديهم فيقول مثنى وثلاث ورباع ، ولا يقول اثنين وثلاثة وأربعة ، فإن أجابني بثلاثة وأربعة فمعنى هذا إنه يرتدي الثلاثة أو الأربعة فوق بعضهم البعض ، بينما حين يخبرني مثنى وثلاث ورباع إي إنه أبدلهم الواحد بعد الأخر .
حسنا هذا للتفريق بين مثنى وثلاث ورباع وبين اثنين وثلاثة وأربعة وأن وقفنا على رأي المفسرين بأنه العدد الذي أقصاه أربعة حسنا فلننظر إلى الآية من هذا السياق ، المشرع هنا يخبرك بأن تكون متزوج ولست عازبا لأنه يخبرك عن زوجتك الثانية ( مثنى ) إذا فأنت لديك زوجة بالفعل .
بالتالي هناك شرطين هنا لكي تعدد أولها : أن يتحقق الخوف من عدم الإقساط لليتامى ( العدل في كفالتهم ) والثاني أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة هي أرملة ذات أيتام .
إذًا الله أنزل الآية لتوجه إنساني كامل وهو رعاية اليتيم وكفالته ، وليس لتعدد بزيادة عدد الزوجات ، واشترط حتى في هذا التعدد ، فالسياق يحكي لنا عن تكامل إنساني وليس عن منظور جنسي ، فالنص يدور حول البر والقسط إلى اليتامى وكفالتهم وليس إلى الزيادة من عدد الزوجات ، وحتى هذا التوجه الإنساني أحكمه المشرع قائلا :
"إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا"
فيقول الله تعالى أن من يملك القدرة على الإعالة هو من يتقدم حتى يستطيع الاعالة وألا يقع في العول ، فيقول أن خفتم ( خشيتم ) ألا تعدلوا ( ليس العدل المادي والجنسي كما ذهب إليه الفقهاء بين الزوجات ، بل هو عدم العدل ( المساواة ) في إعالة هؤلاء الأيتام والأرملة مع أهل بيته فعليه بالواحدة ( واحدةً ) منونة والتنوين للتعريف وهو يخبرنا أن تكتفي بتلك الزوجة التي معك ( زوجتك الأولى ) أو ما ملكت أيمانكم ( وهذه لها باع طويل وهي ليست استباحة الوطء مع الأمة ) لماذا يا الله نكتفي بالزوجة الواحدة أو ملكات اليمين ؟ فيجيب المولى ذلك أدنى ألا تعولوا ( هذا أقل حتى لا يعول ..
ما قبل الخلاصة :
  • تلك الآيات ليست للمنظور الجنسي بل هي للتكافل الاجتماعي الإنساني الملازم لهذا الفترة أثناء وجود أطفال يتامى كُثر وأرامل بعد غزوة أحد وبعد ذلك .
  • اشترط الله شروطا من أجل هذا ، أولا الخوف من عدم الاقساط لليتامى وعدم مراعاتهم ، فيحل لك الأمر من النكاح من الأرملة ذات الأيتام ( هنا عليك أن تدرك أن الزوجة الثانية يجب أن تكون أرملة ذات أيتام )
  • من يتزوج يجب أن يكون متزوج من أخرى وليس بعازب . فإن كان عازبا وتزوج أرملة فهذا ليس تشريع الزواج من أجل الكفالة بل هو زواجا عاديا .
  • النكاح ليس بمعنى الوطء ولكن معناه الزواج عقدا ولا يشترط الوطء .
  • ان خشي العائل عدم العدل مع ابنائه واليتامى فعليه أن يكتفي بزوجته الأولى أو ما ملكت يمينه حتى لا يقع في العول .
  • إن تأملنا أزواج النبي سنجده قد حقق شرط الآية الذي يتيح التعدد بلا حد (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى)، أي أن العلة في التعدد هو إعالة اليتامى ،وذلك اتساقاً مع ظروف مجتمع فقد أغلب رجاله المعيلين في حرب أو وباء أو غيرهما، فإن لم تتحقق تلك الظروف في المجتمع كتبني الدولة أو المنظمات المدنية هذه الإعالة صار شرط التعدد ليس محققاً (كما حدث في تونس مثلاً)....
الخلاصة :
  • التعدد مشترط بأن تكون الزوجة الثانية أرملة ذات أيتام والغرض تكافل انساني لليتيم وليس منظور جنسي فإن كان كما يقولوا أن الرجل يحق له الزواج على زوجته لأنها لا تنجب ، حسنا فإن كان الزوج هو من لا ينجب فهل تتزوج زوجته عليه ؟
  • التعدد ليس من أجل الشبق الجنسي عند الرجل الذي قالوا إنه يبيح التعددية ، فالأنثى أيضا لديها الشبق الجنسي فهل يسمح لها بالتعددية ؟ .
  • التعدد للتكافل الاجتماعي والبر والقسط إلى اليتيم وليس من أجل نظرة جنسية بحتة
  • إن استطاعت الدولة أن تكفل اليتيم والأرملة ( عن طريق منظمات المجتمع المدني وكفالة اليتيم ) ، انتفى هذا الشرط من التعددية .
  • تعدد زواج الرسول صلى الله عليه وسلم ارتبط ارتباطا وثيقا بهذا الأمر وهو القسط والبر إلى اليتامى وليس لمجرد غرض جنسي كما روج عن الأمر .
هذا التأويل طبعاً يهدم فكرة التعدد للزواج بفتاة صغيرة أو بكراً أو غير ذلك من خرافات السلفية
* شكرا للصديق أمير سيد الذي أمدني بمعلومات وتدبر في هذا الموضوع .

و كما رأيت أيها القارئ العزيز، فإن هذا رأي متفتح و متحضر و مختلف تماماً عن الرأي الإسلامي التقليدي و عن الممارسة الفعلية لمبدأ تعدد الزوجات في الإسلام. و ما أعجبني حقاً في هذا المقال هو اعتماد الكاتب على الأدلة المنطقية في الدفاع عن رأيه، و خروجه عن الإطار المحدود المرسوم في كتب التراث الإسلامي. و لكن لي تحفظات على هذا الرأي عديدة، و أنا أيضاً لي أدلتي المنطقية التي أدعم بها رأيي.

أولاً: في معاني الكلمات

هناك معنيان جانب الصواب فيهما الكاتب و تصحيحهما يؤثر على استنتاج المقال و على الفكرة عامة، و هناك معنًى آخر جانبه الصواب فيه أيضاً، غير أن تصحيحه لا يؤثر على فكرة المقال، و إنما أُورِده لإكمال النقد. و قد رجعت في البحث عن معاني الكلمات إلى معجم لسان العرب، و هو من أشهر و أشمل المعاجم العربية على الإطلاق، و يمكن الوصول لمحتواه عن طريق الدخول على موقع الباحث العربي.

مثنى و ثلاث و رباع

تعتمد فكرة المقال بشكل جزئي، و إن كان ليس بالقليل، على معاني كلمات «مَثْنَى» و «ثُلَاثَ» و «رُبَاعَ»، و قد بحثت عن معاني هذه الكلمات في أصولها العربية، و هي — لمن لا يذكر كيفية البحث في المعجم — «ثني» (الثاء و النون و الياء) لكلمة «مثنى»، و «ثلث» (الثاء و علام و الثاء) لكلمة « «ثلاث» و «ربع» (الراء و الباء و العين) لكلمة «رباع»، و في جميع هذه الكلمات وجدت نفس المعنى.

يذكر الكاتب أن مثنى و ثلاث و رباع تعني مضاعفات الاثنين و الثلاثة و الأربعة، و يحتج بذكر أجنحة الملائكة بهذه الصيغة، و بأن المفسرين أولوها أن الملائكة قد يكون لهم عدد غير محدود من الأجنحة، و الواقع أن العدد غير المحدود تفسره عبارة «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ» و ليس معنى مثنى و ثلاث و رباع. ثم لا أدرى كيف نفسر مثنى و ثلاث و رباع على أن الأشياء تُبَدّل مع بعضها البعض و لا تجمع في آن واحد. ففي لسان العرب، مثنى تعني «اثنين اثنين» و ثلاث تعني «ثلاثة ثلاثة» و رباع «أربعة أربعة»، فإذا قيل «جاء الجمع رباعاً» يكون المقصود أنهم جاءوا في مجموعات من أربعة، و القياس في اللغة في هذا المعنى يشمل الأرقام من ثلاثة إلى عشرة، أما اثنين فمنها مثنى، و أما واحد فمنها فرادى أو أفراد.

و نقرأ في سورة سبأ في الآية ٤٦ «قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ۖ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» و تُفسّر الآية أن يقوموا اثنين اثنين أو واحداً واحداً، و لا يستقيم المعنى لو كانت كلمة «مثنى» تعنى ألا يجتمع الاثنان، لأنها لو كانت كذلك لما كانت هناك حاجة لقوله «و فرادى». و من هذا ندرك أن مثنى و ثلاث و رباع تعني اجتماع زوجتين أو ثلاث أو أربع. ثم إن الكاتب لو قصد أن الرجل لا ينبغي أن يجمع أكثر من زوجة في نفس الوقت، فكيف يقول أن المُعَدِّد ينبغي أن يكون متزوجاً؟ فهل يطلق الأولى ليتزوج الثانية؟

و لأن المعنى كما ذكرت سابقاً، يذكر الكاتب أيضاً أن بعض المفسرين قالوا إن الرجل مباح له الزواج من ثمان عشرة زوجة، فقد جمعوا الأرقام في «اثنين اثنين» و «ثلاث ثلاث» و «أربع أربع» و لو لم يكن هذا معنى الكلمات لما استطاعوا أن يأتوا بمثل هذا التفسير. و لنفس السبب، فإن فكرة الكاتب أن من يتزوج من أرملة تنطبق عليه الآية فقط إذا كان متزوجاً من قبل لا تستند على أساس من اللغة، و المقصود لغوياً أن الرجل مباح له في مثل هذه الحالة الزواج بامرأتين أو ثلاث أو أربع دفعة واحدة، و هو الأقرب إلى معنى و مقصد كفالة اليتيم في ظل وجود عدد كبير من الأيتام.

هذا و لا نجد مطلقاً في لسان العرب ما يدعم المعنى الذي ذكره الكاتب.

النكاح

يذكر لسان العرب أن النكاح كان يعني عند العرب الزواج أو الوطء، و يذكر أيضاً أنه كان يعني الزواج لأنه المحلل للوطء، فالظاهر أن الكلمة أصل معناها الوطء، و استخدامها لتعني الزواج جاء لاحقاً. و يقول الكاتب إن النكاح يعني الزواج سواء كان فيه وطء أم لم يكن، و نقرأ في سورة البقرة في الآية ٢٣٠ «فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» فهل يعني النكاح هنا زواجاً بدون وطء؟

فلنَرَ كيف فسر محمد هذا المعنى. نقرأ في صحيح البخاري الحديث رقم ٢٤٩٦ في كتاب الشهادات حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفاعَةَ الْقُرَظِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَسْمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

و هو أيضاً في صحيح مسلم في كتاب النكاح، و مسند أحمد في باقي مسند الأنصار، و سنن الترمذي في كتاب النكاح، و سنن ابن ماجة في كتاب النكاح، و سنن الدرامي في كتاب الطلاق، و موطأ مالك في كتاب النكاح، و سنن النسائي في كتابي النكاح و الطلاق. و عليه يبدو واضحاً جلياً أن النكاح لا يعني الزواج فقط سواء كان بوطء أو بدونه، و بالرغم من أن النكاح و مشتقاته لم ترد في القرآن إلا بمعنى الزواج و ليس بمعنى الوطء فقط، فإن الحديث المذكور يوضح أنها لا تعني زواجاً بدون وطء، و أن الكلمة تعني ممارسة الجماع بالضرورة.

اليتيم و اللطيم

ذكر الكاتب أن اليتيم هو من فقد أباه تحديداً، و أن اللطيم هو من فقد أمه، و الصحيح أن من فقد أمه هو العجيّ و من فقد أبويه كليهما هو اللطيم.

ثانياً: في قواعد النحو

يذكر الكاتب أن ذكر «فواحدةً» منونة هو للتعريف، و لا أدري علام يستند في قوله هذا أو من أين أتى بالمعلومة هذه، فالكلمة منونة لأنها في صيغة المفرد النكرة، و لو كان المراد التعريف لكان قد قال «فالواحدةَ» و لكان التعريف قد وجب لدخول لام التعريف، و لانتفى الشرط النحوي الذي على أساسه نُوِّنت الكلمة. فالواقع أن التنوين لا يعني أبداً التعريف، و أن التعريف ينفي صيغة التنوين لأن المعرف لا يُنَوَّن. و بناء عليه، فإن المعنى هنا لا يقصد واحدة بعينها، و إنما أي واحدة من الأرامل. و لذا فإن من يتزوج من أرملة و هو أعزب تنطبق عليه نفس شروط الآية و هو ليس استثناءًا، و إنما حالته لا تدخل في نطاق مناقشة تعدد الزوجات لأنه لم يعدد. و ربما اختلط على الكاتب استخدام التنكير إما للتحقير أو التعظيم، و لا علاقة للتنوين بأي شيء سوى قواعد النحو.

ثالثاً: في زوجات محمد

يقول الكاتب إن النبي قد حقق في حياته شرط تعدد الزوجات فقط في حالة إعالة اليتامى. و الحقيقة أنني حاولت أن أبحث عن مرجع يذكر أن زوجات محمد كن لهن أبناء أو بنات من قبله لكنني لم أتوصل لما يفيد بذلك إلا في حالة هند بنت أمية بن المغيرة التي يقال لها أم سلمة، غير أن هناك مثلين واضحين لا جدال عليهما يوضحان أن فكرة الكاتب غير صحيحة.

كانت أولى زوجات محمد بعد موت خديجة بنت خويلد هي سودة بنت زمعة، و ثانيهما عائشة بنت أبي بكر، و بغض النظر عن الجدل القائم حول سن عائشة وقت زواجها، فإنه من الثابت و المعروف أنها كانت بكراً حين دخل بها محمد، و بالتأكيد لم يكن لها أبناء أو بنات يتامى يحتاجون للإعالة، و في الواقع كانت هي البكر الوحيدة من زوجات محمد و كانت الباقيات ثيبات. و المثل الثاني هو مارية القبطية، و هي آخر زوجاته، و إن كان هناك خلافاً في كونه تزوجها أم لم يفعل، إذ لم يذكر صراحة أنه تزوجها، و لكنه في الوقت ذاته ضرب عليها الحجاب كسائر أمهات المؤمنين، و كانت جارية قد أهديت إليه من المقوقس مع أختها، و من غير المعقول أن يكون المقوقس أرسلها هدية و هي تحمل طفلاً رضيعاً، و لو كان لها أولاد من قبل تخطوا سن الرضاعة لاحتفظ بهم سيدها و أعطاهم لغيرها تربيه، فهم في حكم العرف عبيده أيضاً، و لا يذكر لنا التاريخ الإسلامي أي شيء عن أولاد لمارية القبطية قبل أن يدخل بها محمد، و بالتالي لم يكن زواجه منها لإعالة اليتامى.

هذا و على قدر علمي — و قد بذلت مجهوداً ليس بقليل في البحث — لا يذكر التراث الإسلامي أولاداً لأية من زوجات محمد بخلاف ما سبق ذكره. فأين ما يدعيه الكاتب من أن الرسول كان قدوة في الالتزام بالتعدد فقط لإعالة اليتيم؟ و نرى أن زواجه من حفصة بنت عمر بن الخطاب تم لأن عمر أباها كان يبحث لها عن زوج بعد ترملها و كان محمد قد ذكرها لأبي بكر بحسب الروايات، و زواجه بجويرية بنت الحارث — و كانت بنت عشرين سنة وقتئذ — كان مقابل عتقه لها و إسلامها، و زواجه بميمونة بنت الحارث صار لأنها وهبت نفسها له و فيها الآية «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» (الأحزاب 50)، و زواجه بزينب بنت جحش صار لأنه وقع في قلبه هواها، و فيها الآية «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا» (الأحزاب 37) و نقرأ القصة في تفسير القرطبي و تفسير الطبري و تفسير الرازي و غيرها الكثير من كتب التفسير و في المسترك على الصحيحين للنيسابوري و في العديد من كتب السيرة، فلم يكن هذا الزواج كفالة ليتيم.

رابعاً: في مسألة ملك اليمين

كما قال الكاتب، وطء الجارية ليس مستباحاً بلا قيد و لا شرط، و هذا صحيح ثابت في القرآن و في التاريخ الإسلامي، و لكنه قد جانبه الصواب حينما ساوى ملكات اليمين بالجواري، و لأن الحديث في هذا الموضوع يطول، فإنني أنصح الجميع بالبحث في هذا الموضوع ليعرفوا الفرق بسن الجارية و ملكة اليمين. و الخلاصة أن وطء ملكة اليمين جائز دون قيد أو شرط، و قد وطأ محمد مارية القبطية بملك اليمين و لم يعتقها إلا بعد أن ولدت له إبراهيم.

خامساً: في الفهم الصحيح للدين

في المسيحية نعطي اهتماماً خاصاً لكل ما وصلنا من كتابات آباء الكنيسة الأولين، لأنهم كانوا أقرب تاريخياً إلى بدء البشارة (الدعوة) و بالتالي فإن مفهومهم يعبر عن الفهم الصحيح للدين منذ نشأته، حيث لم يمر زمن كبير يسمح بتبدل مفاهيم الدين، و أظن أن هذا ينطبق منطقياً على جميع الأديان.

و نجد أن في الإسلام ما التزم الصحابة بشرط كفالة اليتيم و إعالته كشرط لتعدد الزوجات، و الأمثلة كثيرة جداً لا مجال لذكرها هنا، و البحث عنها لا يتطلب مجهوداً كبيراً في ظل وجود الإنترنت. و بالتالي فإن الآية القرآنية لم تُفهَم من قبل الصحابة الذين عاصروا محمداً على أنها تضع شرطاً لتعدد الزوجات هو إعالة اليتيم، خاصةً و إننا لا نجد في القرآن شرطاً واضحاً — لا يقبل التأويل على غير معنى الشرط — يحدد إعالة اليتيم كمبرر لتعدد الزوجات.

و بالرغم من النقد الطويل و المفصل الذي ذكرته سابقاً، فإنني أحيي الكاتب على استخراجه معنًى إنسانياً رائعاً و هو تحبيذ التعدد فقط في حالة كفالة اليتيم و في حالة توفر القدرة على ذلك، و أن القدرة ليست القدرة الجنسية و إنما القدرة على الإعالة بكل ما يتطلبه ذلك من مقومات مادية و نفسية، و أن الدولة إذا تكفلت بهذا فلا يوجد سبب يحبذ تعدد الزوجات، و الأفضل للمسلم أن يكتفي بواحدة. و أختلف معه في أن هذا شرط للتعدد كما شرحت في هذا المقال. و تبقى في النهاية الفطرة الإنسانية الطبيعية التي تجعل من المرأة كارهة أن تشاركها في زوجها أخرى، حتى أن الزوجات الأخريات يسمين «ضرائر» من إلحاق الضرر بالمرأة، فأحيي كاتب المقال على فهمه للنص في ضوء الفطرة الطبيعية التي يولد بها الإنسان. و أتمنى أن أقرأ له المزيد، كما أتمنى أن يكثر الله من أمثاله، فنحن في حاجة ماسة لإعمال العقل الذي ميزنا به الله عن كافة مخلوقاته.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق